التعليم عبر الواقع الممتد .. ثورة في التعليم الحديث
د. الاء طارق الضمرات
23-07-2024 06:00 PM
ضمن عصر التكنولوجيا الرقمية المتسارعة، يتغير شكل التعليم بطرق لم تكن متخيلة من قبل، وإحدى هذه الطرق هي استخدام تقنية الواقع الممتد (Extended Reality - XR) والذي يُشير إلى مصطلح شامل يستخدم لوصف جميع البيئات المدمجة بين الواقع الحقيقي والافتراضي، ويضم XR ثلاث تقنيات رئيسية الواقع الافتراضي (Virtual Reality - VR)، والذي يتيح للمستخدمين الانغماس في بيئة رقمية بالكامل من خلال استخدام نظارات VR وأجهزة استشعار، مما يخلق تجربة تفاعلية ومحاكاة للواقع، والواقع المعزز (Augmented Reality - AR) الذي يضيف عناصر رقمية إلى العالم الحقيقي من خلال الأجهزة المحمولة مثل الهواتف الذكية أو النظارات الذكية، مما يوفر طبقات إضافية من المعلومات والتفاعل، والواقع المختلط (Mixed Reality - MR) الذي يمزج بين الواقعين الافتراضي والمعزز ليتيح للمستخدمين التفاعل مع العناصر الرقمية والواقعية في وقت واحد وبطرق جديدة تمامًا.
وتعتمد هذه التقنيات على دمج العالم الرقمي مع العالم الحقيقي بطرق مبتكرة وتفاعلية، مما يتيح للطلاب فرصًا جديدة للتعلم والتفاعل مع المواد التعليمية، وواحدة من أبرز مزايا التعليم عبر الواقع الممتد هي القدرة على خلق تجربة تعليمية غامرة. وعلى سبيل المثال، يمكن للطلاب في دروس التاريخ استكشاف العصور القديمة من خلال التجول في نسخة افتراضية من مدينة بومبي الرومانية، أو يمكن لطلاب الجغرافيا الطيران فوق قمة إيفرست والتعرف على تضاريسها عن كثب، وهذا النوع من التعلم يمكن أن يزيد من تفاعل الطلاب وفهمهم للمواد الدراسية بشكل أعمق.
ومن الأمثلة على استخدام الواقع الممتد في دروس التاريخ في الولايات المتحدة، قيام إحدى المدارس الثانوية في ولاية كاليفورنيا، في استخدام الواقع الافتراضي لإنشاء جولات افتراضية إلى مواقع تاريخية مثل البتراء في الأردن وسور الصين العظيم، وأظهرت الدراسات أن الطلبة الذين استخدموا هذه التقنية أبدوا اهتمامًا أكبر بالمادة الدراسية وزاد فهمهم للأحداث التاريخية.
كما أن تقنيات الواقع الممتد تمكن الطلاب من ممارسة الأنشطة العملية بطريقة آمنة وفعالة. وعلى سبيل المثال، يمكن لطلاب الطب إجراء جراحات افتراضية لتعلم المهارات الجراحية دون المخاطرة بحياة المرضى، ويمكن لطلاب الهندسة تصميم وبناء نماذج معقدة في بيئة افتراضية قبل تطبيقها في العالم الحقيقي.
وقد تم استخدامها أيضًا في تدريب الأطباء في كندا، فقد تمكنت جامعة تورونتو من استخدام الواقع المختلط في تدريب طلاب الطب على إجراء عمليات جراحية معقدة، والطلبة أبدوا تقدماً ملحوظًا في مهاراتهم الجراحية بعد التدريب باستخدام هذه التقنية، مما أدى إلى تحسين جودة الرعاية الصحية المقدمة.
وقد تم استخدام تطبيقات الواقع المعزز في المدارس الابتدائية في طوكيو لشرح المفاهيم العلمية المعقدة مثل تركيب الذرة ودورة الماء، والطلبة أيضًا أبدوا فهمًا أعمق واستيعابًا أفضل للمفاهيم بعد استخدام هذه التطبيقات.
بالإضافة إلى أن الواقع الممتد يمكن أن يوفر تجربة تعلم متعددة الحواس، حيث يمكن للطلاب استخدام البصر، السمع، وحتى اللمس في بعض الحالات، للتفاعل مع المواد التعليمية، وهذا يمكن أن يكون مفيدًا بشكل خاص للطلاب ذوي الاحتياجات التعليمية الخاصة الذين قد يجدون صعوبة في التعلم من خلال الطرق التقليدية.
كما أن استخدام الواقع الممتد يساعد الطلبة على العمل معًا في بيئات افتراضية تعاونية، مما يعزز من مهاراتهم في العمل الجماعي والتواصل، ويساعدهم الطلبة في مختلف أنحاء العالم الاجتماع في فضاء افتراضي والعمل معًا على مشاريع مشتركة، مما يعزز من فهمهم للثقافات المختلفة وتعاونهم العالمي.
وعلى الرغم من الفوائد العديدة للتعليم عبر الواقع الممتد، إلا أنه يواجه عددًا من التحديات التي يجب معالجتها لضمان نجاح هذه التقنية في التعليم، والتي تتمثل في أن تقنيات الواقع الممتد تتطلب استثمارات كبيرة في الأجهزة والبرامج، بالإضافة إلى ضرورة وجود بنية تحتية تكنولوجية قوية لدعمها، والمدارس والمؤسسات التعليمية قد تواجه تحديات مالية في تبني هذه التقنيات على نطاق واسع، كما أنها تحتاج باستمرار إلى التدريب والتطوير المهني للاستفادة الكاملة من تقنيات الواقع الممتد، إذ يحتاج المعلمون إلى تدريب مكثف لفهم كيفية استخدامها بفعالية في الفصول الدراسية، وهذا يتطلب وقتًا وجهدًا إضافيًا من جانب المعلمين والمؤسسات التعليمية. وأيضًا مع زيادة استخدام الواقع الممتد في التعليم، تزداد المخاوف بشأن الأمان والخصوصية، بالتالي يجب على المؤسسات التعليمية التأكد من أن البيانات الشخصية للطلاب والمعلمين محمية بشكل جيد، وأنهم يتبعون ممارسات أمان صارمة.
ومع استمرار تقدم التكنولوجيا، من المتوقع أن تتطور تطبيقات الواقع الممتد في التعليم بشكل أكبر، وهذا يمكننا أن نتوقع ظهور تقنيات جديدة أكثر تطورًا وتفاعلية، مما سيتيح فرصًا أكبر لتحسين التعليم وتوفير تجارب تعليمية مخصصة وشاملة، بالتالي فإن التعليم عبر الواقع الممتد يمثل ثورة حقيقية في مجال التعليم، بالرغم من التحديات التي تواجه تطبيق هذه التقنيات، فإن الفوائد الكبيرة التي تقدمها تجعلها خياراً واعداً لتحسين العملية التعليمية وجعلها أكثر تفاعلاً وإثارة للاهتمام، ومع استمرار التطورات التكنولوجية، من المتوقع أن يصبح الواقع الممتد جزءً أساسياً من مستقبل التعليم.