أرسل مرصد الإصلاح العربي التابع لمكتبة الاسكندرية استمارة إلى نخبة من المفكرين وقادة الرأي في الدول العربية، بهدف متابعة مشروع منتدى الإصلاح العربي، الذي بدأ قبل سنوات وكان من حصاده وثيقة الاسكندرية للإصلاح العربي. والنسخة الموزعة من استمارة قياس رأي النخبة العربية، تحاول ان تعالج قضايا الإصلاح العربي وآفاقه وأسباب تأخره، والواقع الذي آل إليه الشارع العربي الذي تصاعدت فيه المطالبة بالاصلاح بعد أحداث سبتمبر، سواء كانت تلك المطالبة صادرة من منظمات المجتمع المدني أم من مؤسسات الحكم العربية، لكنها سرعان ما فقدت اندفاعها وارتدت إلى أحضان الدولة عربيا.
تحاول الاستمارة التعرف على العوامل المحبطة لمحركات الإصلاح، وتسعى إلى احداث مقاربة بين مصائر الإصلاح العربي، وتكوين رؤى واضحة للنخبة العربية حول معيقات التجربة الإصلاحية، وهي وإن كانت مطولة إلى حد ما، إلا انها تفصح عن رغبة في متابعة قضية الإصلاح التي باتت فاقدة للكثير من بريقها اليوم.
تهدف الأسئلة الواردة في نص الاستمارة، إلى البحث عن مواضع الاضطراب في صياغات المثقفين ونشطاء المجتمع المدني العربي، والمسارات التي ذهبت بها التجربة الإصلاحية العربية، والاستراتيجيات الحكومية، وهي فيما يبدو لم تُصغْ بهدف الانتقاص أو تعميق الإحباط، بل جاءت لداعي التطوير في أمر يتعلق بمصيرنا جميعا، بعدما ظهر جليا أن الكثير من المبادرات لم تنفذ جيدا، لتحرك فاعلا اجتماعيا يستطيع ان يتقدم بحياة الناس كثيرا إلى الأمام.
تتزامن معاينة مرصد الإصلاح العربي اليوم لحال التجربة الإصلاحية، مع إعادة طرح الأسئلة المشروعة عن جدوى كل ما صدر في ظل بطء التقدم إلى الامام، خاصة وأن كثيرا من المفاهيم على شاكلة التقدم والتطور والديموقراطية والمجتمع المدني والتنمية، التي ظلت تعد بؤرة محورية لملامح المستقبل العربي الأفضل، باتت مختصرة بالعنوان العريض وهو "الإصلاح العربي".
استنادا إلى تقارير التنمية الإنسانية العربية الأربعة، جاء الواقع العربي مظلما، وبالنظر إلى حال الإصلاح نجده قد بلغ حالة انسداد الآفاق، وقد ساهم في بلوغ تلك النهايات غير المرجوة الكثير من مركبات الاحباط والاحتلال والاسراف في عقد الآمال على مبادرات بدت براقة عند اطلاقها، ولكنها سرعان ما تعرضت إلى مراجعة في الحسابات.
ومن هنا يبدو أن المشكل الأكثر تأثيرا في مسيرة الإصلاح، يكمن في استعصاء واقع مجتمعاتنا على التغيير واستمرارية أزماتها الشاملة، وقابليتها للتراجع السريع المحفوف بالخوف من كل تغيير خاصة بعد درس العراق، وبعد ان ظهر أن البديل عن الدولة الوطنية هو دولة دينية.
كان المفروض على المجتمعات العربية استغلال ربيع الإصلاح، وتتحمل النخب العربية قليلا من المسؤولية، لكن للأسف فإن ما جرى في أقل من خمس سنوات، أفقد القول بحتمية "بناء نظم ديموقراطية" و"تحقيق التقدم" و"نماء ثقافة عقلانية معاصرة" و"احلال التنوير محل القوى الظلامية".
في المقابل، جاء البديل بإعادة تمسك الدولة بنظرتها القديمة لدورها، ونتج عن ذلك زيادة في التوجس والارتياب ونمو مظاهر الخوف، وتراجع معدلات الحرية، وازدياد الدفع من أجل نظرة أكثر رومانسية لعلاقة المواطن بالدولة باعتبار أن الاخيرة "تؤمن وتِؤوي من كل خوف" وهذا ما عزز الغربة بين طرفي المعادلة المواطن والدولة، باتشاح عباءة التفكير الماضوي أو أسر العقل لخيالات لا يمكن لها ان تسير بنا للأمام.
من الممكن لمشروع مرصد الإصلاح العربي، في مراجعة سيرة الإصلاح أن يفيدنا بالكثير من خلال تقويم الأسئلة، التي من شأنها احداث مقاربات ومقارنات حية، لتجارب عربية متعددة، وهي إن أنجزت ستفتح المجال من جديد لرصد مواطن الخلل، وإمكانية إعادة الانطلاق مرة أخرى في تلك المسيرة الشائكة.
mohannad974@yahoo.com