في العصر الرقمي، أصبحت مصداقية مصادر المعلومات مصدر قلق بالغ. مع الكم الهائل من المحتوى المتاح عبر الإنترنت، أصبح التمييز بين المعلومات الموثوقة والمعلومات المضللة أو الخاطئة تحديًا متزايدًا. تُعرف المصادر الموثوقة عادةً بدقتها وسلطتها وشفافيتها. فالمؤسسات الأكاديمية، والمنظمات الإخبارية المعروفة، والمواقع الحكومية غالبًا ما تلتزم بمعايير صارمة للتحقق من الحقائق والمساءلة، مما يجعلها أكثر موثوقية. على العكس من ذلك، يجب التعامل بحذر مع المصادر التي تفتقر إلى الشفافية حول مؤلفيها أو تمويلها، أو تلك التي لديها تاريخ من نشر ادعاءات مثيرة أو غير مؤكدة.

زادت وسائل التواصل الاجتماعي من تعقيد مشهد مصداقية المعلومات حيث يمكن لمنصات مثل فيسبوك وX وإنستغرام تضخيم كل من المعلومات الدقيقة والأكاذيب بنفس الكفاءة، ولعل ما استدرجني للحديث حول هذا الموضوع هو حادثة الخلل الفني التابع لشركة CrowdStrike يوم أمس والذي فتك بالعديد من أنظمة ويندوز وعطل العديد من الخدمات في شركات الطيران، البنوك، أنظمة النقل، وحتى بعض أنظمة الطوارئ 911 في جميع أنحاء الولايات المتحدة الاميريكية.

لتظهر بعدها تغريدة من الشاب Vincent Flibustier عبر منصة X وهو الموظف الجديد بالشركة الذي قام بنشر صورته السيلفي بأول يوم دوام له بالشركة معلقا بقيامه بتعديل بسيط على برنامج الشركة في يومه الاول وغادر الشركة ليترك كارثة حقيقية فتكت بملايين أجهزة ويندوز. انتشرت هذه التغريدة بشكل مخيف لتصل الى ما يزيد عن 43 مليون مشاهدة و 34 ألف إعادة توجيه و 416 ألف إعجاب في غضون ساعات فقط. ولكن وبعد ظهور المدير التنفيذي للشركة بلقاء تلفزيوني مع إحدى القنوات التلفزيونية تبين أن تغريدة الشاب غير صحيحة إطلاقا وأن الخلل الحاصل لا يمثل أي اعتداء رقمي على أجهزة ويندوز بل هو مجرد خلل تقني نتج تبعا لتحديثات على البرنامج من قبل الشركة نفسها وتم تعديله لكافة الزبائن، لنكتشف بعدها أن الشاب متخصص بنشر الوعي حول خطورة الأخبار الكاذبة و ضرورة التحقق من مصادر المعلومات الرقمية وانه اختلق هذه المسرحية لجذب الانتباه لرسالته فقط لا غير.

التعليم ومحو الأمية الرقمية هما أساسيان في التنقل في تعقيدات مصداقية المعلومات. إن تزويد الأفراد بالمهارات لتقييم المصادر بشكل نقدي، وفهم التحيزات الإعلامية، والتعرف على المغالطات المنطقية أمر حيوي. يمكن للمبادرات التعليمية التي تعزز محو الأمية الرقمية تمكين المستخدمين من اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن المعلومات التي يستهلكونها ويشاركونها. في عالم يمكن أن يكون للمعلومات الخاطئة فيه عواقب حقيقية كبيرة، فإن تعزيز ثقافة التفكير النقدي والشك ضروري للحفاظ على نزاهة النظام البيئي للمعلومات.