من زاوية رؤية الكثيرين في الشرق الأوسط، فإن عودة "تيار ترامب" الجمهوري إلى البيت الأبيض سيكون خبرا سيئا. لكنه خبر أسوأ بكثير من زاوية الاتحاد الأوروبي أيضا، ولكل زاوية رؤية منطلقاتها القائمة على نزاعات وحروب يظل للأثر الأميركي فيها أهمية.
في وسكونسون، الولاية المشهورة بالزراعة وإنتاج الأجبان والحليب كان مؤتمر الحزب الجمهوري الأخير والظهور "الخطابي" الأول للمعلن عنه نائبا لترامب في حال اجتاح البيت الأبيض من جديد، وفي خطابه المؤثر تحدث جي دي فانس بلغة لا تقل في حدتها عن ترامب، ولم يكتف بدعوة الديمقراطيين إلى البحث عن بديل لبايدن، بل دعا بقوة إلى تنحيته عن منصب الرئيس لأنه غير مؤهل للقيادة. وهاجم نائبة الرئيس بايدن بشكل عاصف مقوضا امام الناخب الأميركي قدراتها بل مشككا بوطنيتها التي لا تتجاوز "تحصيل الشيكات" كما قال.
هذه أخبار أكثر من سيئة للديمقراطيين، فقد استطاع دونالد ترامب بغريزته الذكية في اصطياد الأحصنة الرابحة أن يلتقط هذا الشاب من "أوهايو" ويحوله من خصم داخلي شرس، إلى حليف بل رفيق مسيرة وظلا ثقيل الوزن للرئيس القادم.
وفي المخيال الأميركي، فإن نائب رئيس ثقيل الوزن حالة نادرة في التاريخ الأميركي، خصوصا أمام رئيس مرتبك الأداء، كان أصلا نائبا لأوباما بلا أي حضور حقيقي، ونائبة رئيس حالية بحضور باهت يثير السخرية عند الأميركيين، مما يجعل اختيار ترامب لفانس ضربة قوية في نزال بات محسوم النتائج ويحتاج الديمقراطيون معجزة حقيقية ليظل البيت الأبيض تحت سلطتهم.
أوروبا، الأكثر قلقا ربما من حضور ترامب، والقلق يتضاعف مع الحصان الجامح فانس، والذي صرح أكثر من مرة انه لا يهتم لأوكرانيا، بل ويدعو إلى تسويات مع روسيا حتى لو تطلب ذلك تنازلا عن بعض الأراضي.
فانس، الداعم لإسرائيل وتصريحاته المؤيدة لها في تداعيات ما بعد السابع من أكتوبر، سيكون رديفا إضافيا في فريق ترامب الداعم لصفقة القرن مع تعديلات تشير بعض المصادر إلى انها باتت ضرورية ولازمة فيها، ولا يمكن الرهان على "كاثوليكية" فانس في استجلاب بعض العدالة للقضية كما لم تنفع كاثوليكية بايدن نفسه في صراع لا يمكن المرور عن الأبعاد العقائدية والدينية فيه، فالسيد فانس يمثل البراغماتية الذاتية في أكثر تجلياتها وضوحا وذلك من خلال مواقفه القابلة للتغيير في طريق صعوده نحو السلطة.
داخليا، فإن فانس محافظ اجتماعيا، وهو ما يضعه في خط تقاطع مهم في الانتخابات مع الأصوات المحافظة الكثيرة التي تتذمر بقوة من "التغول النيوليبرالي" اجتماعيا، وهو ما سيكون خبرا سيئا أيضا لجماعات المثلية وما بعد المثلية من حركات تجاوزت المنطق "الإنساني الطبيعي" في مطالباتها.
ومن هنا، فإنني أتخيل حيرة الناخب الأميركي "المسلم" مثلا على مفترق طرق القرار بانتخاب تيار جمهوري يخوض معركته في لجم ما يراه تفسخا أخلاقيا في المجتمع له آثاره المباشرة على معيشة وحياة هؤلاء، أو انتخاب خصوم هذا التيار لأن قضايا ما خلف المحيط الأطلسي هي إرثه الشخصي الذي حمله على ظهره وما يزال.
بالمختصر، علينا قراءة فانس جيدا وهو الآن في طور التشكل والصياغة كرجل قد يكون له حضور في انتخابات ما بعد القادمة وقد نراه يوما الساكن الجديد في شارع بنسلفانيا في واشنطن.
الغد