لا ينكر احد بان للقضية الفلسطينية مكانة خاصة في وجداننا.. وهي القضية التي نشَأت كل الاجيال الحالية عليها.. ولكن واجب الكاتب ان يكون مهنيا وصاحب رؤيا شاملة.. فهو في كثير من الاحيان نافذة للكثيرين.. يشاهدون منها ما قد غفلوا عنه في خضم تركيزهم على جانب محدد او قضية معينة.
ففي الوقت الذي يتابع فيه العالم بشغف وتركيز.. كل صغيرة وكبيرة تحدث في غزة.. ويتفاعلون معها.. تبقى مأساة السودان بعيدة عن الأضواء.. رغم أنها تحمل في طياتها ألماً وتهجيراً لا يقلان عما يعانيه اخوتنا الفلسطينيين في غزة بشكل خاص.. وعلى كامل التراب الفلسطيني بشكل عام.
هذا التفريق في الاهتمام يعكس تجاهلاً صارخاً لما يجري في السودان.. حيث يتم تهجير الملايين وقتل الآلاف.. ولا يلتفت أحد لهم بنفس القدر من الاهتمام.. او أقل بقليل.. وحتى في صلاتنا على الغائب.. نجعلها لشهداء وقتلى غزة.. ولا نتذكر شهداء وقتلى بقية الأماكن.
وهنا فإنني لن احرف البوصلة.. ولكن اود توسيع مدى وزاوية النظر دون تشتيت.. لعلنا نستطيع رسم صورة كاملة لمجريات الاحداث.. ومعرفةٍ اوسع لما يتم التخطيط له.
لقد خُلقنا أمة واحدة.. تُوَحدنا لغة ودين وثقافة.. وعلى الرغم من ذلك.. نجد أنفسنا لا نقسم الألم.. ولا نقسم التضامن بين غزة والسودان.. فهل دم المسلم في غزة أغلى من دم المسلم في السودان؟!.. بالطبع لا.. فدم المسلم والانسان البريء حرام في كل مكان.. ولَهدم الكعبة حجراً حجراً أهون على الله من قتل نفسٍ بغير حق.
في السودان.. منذ اندلاع الصراع في أبريل 2023 بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع.. لقي أكثر من 13,000 شخصا مصرعهم.. وأصيب حوالي 26,000 آخرين، بالإضافة إلى ذلك.. نزح حوالي 8.6 مليون شخص.. منهم 6.6 مليون نزحوا داخل البلاد.. و1.8 مليون لجأوا إلى دول مجاورة.. مثل مصر وتشاد وإثيوبيا وجنوب السودان، هذه الأزمة تسببت في أكبر نزوح داخلي للأطفال في العالم.. حيث يتطلب حوالي 14 مليون طفل مساعدة إنسانية عاجلة..
وهنا علينا ان نطرح هذا التساؤل.. لماذا ينجذب العالم لما يحدث في غزة.. ويغض الطرف عن السودان؟!..
قد تكون هناك أسباب متعددة.. منها السياسية والاقتصادية وحتى الإعلامية.
وربما تجد القوى العظمى في أحداث غزة.. وسيلة لتحقيق مصالحها السياسية.. بينما تُترك السودان تواجه مصيرها وحدها.. فليس هناك الزخم السياسي الكبير والمرجو منها..
فالإعلام بدوره يلعب دوراً كبيراً في توجيه الأنظار حيث يشاء.. ولمصالح القوى التي ترعاه.. فنراه يركز الضوء على غزة.. بينما تظل معاناة السودان في الظل.
إن الإعلام يوجهنا كيفما يشاء.. يتجاهل مأساةً ليُبرز أخرى.. ومن المؤكد.. هناك مخططات تُرسم وتُنفَذ في أماكن متعددة.. مع إبقاء تركيزنا على مكان واحد.. ولن يدعونا نصحوا الا بعد ان يتم تنفيذها.. او وضعها في خانة وحالة اللاعودة.
فإذا ما نظرنا إلى العالم الإسلامي والعربي.. نجد أن الكثير من بؤره مشتعلة.. من اليمن إلى ليبيا.. ومن سوريا إلى العراق.. وكلها تُعاني الكثير.. لكنها لا تحظى بنفس الاهتمام الذي تحظى به غزة.
وهنا ايضا علينا أن نتساءل.. هل نحن كأمة نشارك في هذا التفرقة؟!.. وهل نسهم بصمتنا وتجاهلنا في معاناة أشقائنا في السودان؟!.
المنطق والعقل والعواطف تقول جميعها.. يجب علينا أن نكون أمة واحدة في التضامن.. كما أننا نحن أمة واحدة في الدين والثقافة.. وإن لم يكن كذلك على مستوى الدول.. فحري بنا ان نكون كذلك على مستوى الأفراد والشعوب.
وعلى الإعلام العربي أن يكون نزيهاً في تغطيته.. ويعطي كل قضية حقها من الاهتمام.. فالمأساة لا تُقاس بعدد المشاهدات.. بل بقدر الألم والدماء المسفوكة.. والبشر الابرياء المشردين.
وعلينا ان نكون متيقنين.. إن لم نتكاتف كأمة واحدة.. ونتحدث بصوت واحد ضد الظلم في أي مكان.. فإننا سنخسر جزءاً كبيرا من إنسانيتنا ومبادئنا السوية القويمة.. وسنُساهم في استمرار معاناة الآخرين.
وختاما اقول.. فلنتذكر دائماً.. أن دم العربي والمسلم في غزة.. هو مساوي لدم العربي والمسلم في السودان.. وأن هدم الكعبة حجراً حجراً أهون على الله من قتل مسلم.. في أي بقعة على هذه البسيطة.. مهما اقتربت او ابتعدت.. ولنكن امة واحدة حتى لو في الوجدان.. فلا يلهينا تركيزنا على غزة عما يحدث في غيرها.. وعلينا ان لا ننسى مقولة "أكِلت يومَ أن أكِل الثور الأبيض".