قراءة تحليلية لسيناريوهات مستقبل ديوان الخدمة المدنية * د. خليف الخوالده
30-04-2011 04:21 PM
تأسس ديوان الخدمة المدنية بعد صدور قانون ديوان الموظفين المدنيين رقم (11) لسنة 1955 وكان نظام الخدمة المدنية رقم (1) لسنة 1958 أول تشريع ناظم لشؤون الوظيفة العامة. وفي ضوء قرار المجلس العالي في عام 1965 إستناداً للمادة (120) من الدستور بأن تكون الأطر الناظمة لشؤون الوظيفة العامة أنظمة وليست قوانين، فقد صدر نظام الخدمة المدنية رقم (74) لعام 1965.
تشكل أول مجلس للخدمة المدنية في عام 1998 برئاسة رئيس الوزراء أو الوزير الذي يسمية وعضوية عدد من الوزراء ورئيس الديوان ورئيس ديوان التشريع وآخرين. هناك نص في نظام الخدمة المدنية، قبل تشكيل مجلس الخدمة المدنية وبعد تشكيله وما زال نافذاً في النظام الساري المفعول حالياً، يقضي بأن يتولى مجلس الوزراء الإشراف على شؤون الوظيفة العامة. وهذا يدلل على أن مجلس الخدمة المدنية يشكل مرجعية وسيطة لا تغني بموجب التشريع عن مرجعية مجلس الوزراء. تم إعادة تشكيل مجلس الخدمة المدنية في عام 2007 برئاسة وزير تطوير القطاع العام وعضوية رئيس الديوان ورئيس ديوان التشريع والرأي وعدد من الأمناء العامين وآخرين. ولكن ما لبث أن تم إعادة تشكيل مجلس الخدمة المدنية في عام 2008 برئاسة وزير تطوير القطاع العام وعضوية عدد من الوزراء ورئيس الديوان ورئيس ديوان التشريع والرأي وآخرين.
لقد كان الدافع الأساسي وراء إعادة تشكيل مجلس الخدمة المدنية لعدة مرات هو إنشغال رئيس الوزراء (حيث نقلت رئاسة المجلس من رئيس الوزراء إلى وزير تطوير القطاع العام)، وتغيب عدد من الوزراء عن إجتماعات المجلس (حيث نقلت العضوية للأمناء العامين ثم ما لبثت أن عادت للوزراء خلال مدة لا تزيد عن سنة بموجب تعديل تم إدخاله على نظام الخدمة المدنية في عام 2008).
تمحورت مهام مجلس الخدمة المدنية بشكل عام منذ البداية ولغاية الآن حول اقتراح التشريعات أو الأطر الناظمة وتقديم التوصيات وإبداء الرأي ووضع الخطط ولكنه غير مخول فعلياً بإتخاذ قرارات أو إقرار سياسات إلا على مستوى التعليمات، علماً بأنه تشريعياً صلاحية إقرار أي تعليمات تنبثق عن الأنظمة هي للوزير.
من المقترح في هذا المجال، أن تبقى صلاحية إقرار السياسات العامة في مجال إدارة الموارد البشرية والأنظمة المنبثقة عنها وجداول تشكيلات الوظائف الحكومية لمجلس الوزراء مع نقل مهام اللجنة الوزارية لتطوير القطاع العام إلى مجلس الخدمة المدنية وإحالة ما يحال لها من مواضيع ذات علاقة بالوظيفة العامة إلى مجلس الخدمة المدنية. كما اقترح دراسة وتحليل مهام مجلس الوزراء لضمان تركيزه على القضايا الإستراتيجية والجوهرية وتكريس جَل وقته لها، وفي ضوء نتائج هذا التحليل يتم نقل جزء من صلاحيات مجلس الوزراء في مجال شؤون الوظيفة العامة إلى مجلس الخدمة المدنية ضمن أسس واضحة ومدروسة ومراجعة التشريعات ذات العلاقة.
هناك عدة سيناريوهات مطروحة حالياً فيما يتعلق بمستقبل ديوان الخدمة المدنية منها سيناريو يقضي بدمج ديوان الخدمة المدنية مع وزارة تطوير القطاع العام ضمن وزارة واحدة. ميزة هذا السيناريو تفادي حالة التداخل والإزدواجية في المهام وبالتالي الصراع عليها وهذا ما كان يحدث فعلاً، ولكن في المقابل ما يؤخذ عليه هو جمع مهام جزء كبير منها تنفيذي مع مهام تطويرية مما قد يغلب الجانب التنفيذي على الجانب التطويري هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى فقد شهدت الفترة الماضية تغييرات سريعة في وزراء تطوير القطاع العام والشكل القانوني للوزارة (من وزارة دولة إلى وزارة إلى وزارة دولة إلى وزارة) وهذا قد أثر على مستوى أداء الوزارة فأخشى أن يمتد هذا الأثر إلى مهام الديوان التي تحتاج إلى إستقرار وثبات نسبي أكبر.
أما السيناريو الثاني فيقضي بإنشاء وزارة للخدمة المدنية إلى جانب وزارة تطوير القطاع العام. ميزة هذا الطرح تعزيز حضور شؤون الخدمة المدنية في مجلس الوزراء ومراعاة ذلك في نقاشاته وقراراته ولكن ما يؤخذ عليه حدوث حالة من التداخل والإزدواجية في المهام قد تقود إلى إنشغال قيادات الوزارتين ببعضهما على حساب الأدوار الحقيقية لها.
وأما فيما يتعلق بالسيناريو الثالث المتضمن بقاء ديوان الخدمة المدنية كما هو الآن، فأن ميزة هذا الطرح الاستقرار في عمل الديوان كجهة مركزية بعيدة عن التغييرات واختلاف المدارس الفكرية والإجتهادات ولكن ما يؤخذ عليه غياب الديوان إلى حدٍ ما عما يحدث في مجلس الوزراء والمساهمة في نقاشاته في ضوء معطيات ومتطلبات الوظيفة العامة.
الأهم من كل هذا من وجهة نظري الشخصية أن الوزارات الأخرى تستند في عملها إلى قوانين تشكل الأطر التشريعية الناظمة لعملها، في حين تستند وزارة تطوير القطاع العام في عملها إلى نظام تطوير القطاع العام، ويستند ديوان الخدمة المدنية في عمله إلى نفس المستوى من التشريع وهو نظام الخدمة المدنية ما عدا ما يتعلق بالضمان الإجتماعي والتقاعد المدني فمرجعيتهما التشريعية قوانين. ما أقصده أن اختلاف مستوى التشريع هذا لا يعطي وزارة تطوير القطاع العام وديوان الخدمة المدنية القوة في العمل مثلما في الوزارات الأخرى. وأن الأمر في كثير من الحالات يعتمد على قوة شخصية ومهنية وزير تطوير القطاع العام ورئيس ديوان الخدمة المدنية. خلاصة القول، الحل ليس في مجرد تحديد أي سيناريو يتم تبنيه وتنفيذه بل الأهم من ذلك ضمان فعالية تحقيق الأهداف وكفاءة استخدام الموارد المتاحة.