تراجع النمو الاقتصادي في الربع الأول من العام لا يعني التوقف عند حدود الأزمة الإقليمية لتفسير التباطؤ.
الأهم من ذلك هو النظر للبيانات التفصيلية لتحديد القطاعات التي أظهرت أعلى قدر من المنعة والقدرة على النمو في هذه الظروف.
ذلك أن وجود مثل هذه القطاعات دليل على تنافسيتها المرتفعة وقدرتها على تجاوز ظروف دقيقة، هي القاعدة العامة لبيئة الأردن الإقليمية وليست الاستثناء.
بيانات النمو القطاعية للربع الأول أظهرت تراجعا في نمو جميع القطاعات الرئيسية باستثناء الصناعة، التي نمت على أساس سنوي ب 3.9% مقارنة ب 3.5% فقط في الربع الأول من العام الماضي.
بيانات التجارة الخارجية للربع الأول 2024 تجيبنا عن القطاعات الفرعية التي قادت التسارع في نمو الإنتاج الصناعي في المملكة.
فقد نمت صادرات الألبسة ب 17% وصادرات الأدوية بأكثر من 30%.
أي أن هذين النوعين من الصناعة تمكنا من التغلب على التحديات التقليدية وغير التقليدية أمام الاقتصاد الأردني، في دليل صريح على توفر التنافسية النسبية لذات القطاعات.
وهذا يتفق مع الاعتماد المنخفض لهذه الصناعات على الطاقة، وانخراط الأردنيين بالعمل بها بأجور منافسة، ووجود قصص نجاح سابقة لشركات أردنية رائدة وناجحة في مجالي الألبسة والأدوية.
البناء على النجاح المتحقق في الربع الأول ودعمه وتشجيعه مهم جدا.
ذلك أن الالتفات للقطاعات الناجحة، عوضا عن الضعيفة والمتعثرة لدعمها، يعاكس سياسة إطفاء الأزمات المستمرة في الأردن لعقود.
وهذا يقودنا في المحصلة إلى تعزيز اعتمادنا على الميزة التنافسية، والتي تشكل مفتاح النجاح لأي مشروع نهوض اقتصادي، خصوصا لدولة باقتصاد وإمكانيات محدودة مثل الأردن.
من المهم أن تلتقي الحكومة بشركات الأدوية والملابس لمناقشة الفرص والتحديات، وتقديم الدعم الفعال للقطاعين على جميع المستويات.
وليكن الدعم أسخى من ذاك المقدم للقطاعات أو الصناعات التي ثبت تاريخيا ضعف تنافسيتها، ولا تزال متعلقة بقشة الدعم الحكومي تحت ضغط الإعلام الشعبوي. (القصد هنا لا يشمل القطاعات المتعثرة بسبب ظروف طارئة مثل السياحة).
عندما تبنت الحكومة عام 2016 حزمة ضريبية سخية لدعم قطاع تكنولوجيا المعلومات، كانت أبرز الأصوات المعارضة تقول بأن هذا القطاع ناجح، ولا يحتاج بالتالي إلى دعم.
تخيلوا. قطاع ناجح وله آفاق، وبالتالي لا يستحق الدعم!
هذا موروث طبيعي لسنوات من الضغط المالي والأزمات، وهو ما نحتاج تجاوزه، ولكن بضوابط وضمن الحدود الآمنة.