قراءة تحليلية لمفهوم الحكومة البرلمانية
د. تمارا زريقات
18-07-2024 11:19 PM
لاشك أن ما نشهده في الآونة الأخيرة من نشاط انتخابي وحزبي ماهو إلا ثمرة للجهود التي يبذلها الأردن في إطار سعيه لتطوير وتحديث منظومة سياسية شعارها الديمقراطية المتجددة بالاستناد لمضامين الأوراق النقاشية الملكية والدستور الأردني المرن للوصول للدولة المدنية والحكومات البرلمانية.
ولعل التصور الحقيقي لمفهوم الحكومة البرلمانية؛ أنها حكومة تعكس وتعبر عن إرادة الأغلبية من الشعب، وهي أداة ديمقراطية مرتبطة بالنظام الديمقراطي ووصول الأحزاب البرامجية المنظمة لقبة البرلمان بالتوازي مع وجود قانون انتخاب يدعم المنظومة الحزبية كركن أساسي.
أي أن وجود الحكومة البرلمانية يستدعي وجود أحزاب برامجية مرخصة ومنظومة حزبية باعتبارها بوتقة انصهار وطني ورافعة من روافع العمل السياسي البرلماني الشعبي مهمتها إنضاج رؤية وطنية وتأطير الحوار غير المنظم في الشوارع و على منصات التواصل الاجتماعي إلى الساحات والمقرات الحزبية ومن ثَمَّ إلى مجلس النواب لأخذ القرارات وصنع السياسات؛ ومن هنا فإنه على الناخبين اختيار ممثليهم من القوائم الحزبية على مستوى الوطن والقوائم المحلية ممن يتبنون برامجاً موضوعية وطنية وإصلاحية تطال الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية تشخيصاً ومعالجة، كمشاكل التعليم والبطالة والتأمين الصحي وغيرها.
إنّ عملية تشكيل الحكومة البرلمانية تمثل بعداً شعبياً مهماً لتعزيز فكرة تداول السلطة، ويدعم فكرة المنافسة في دعم جهود التنمية الوطنية، ترسيخاً لفكرة الدولة المستقرة والتي تتطلب جهوداً وبرنامج وسياسات، استجابة لمتطلبات التطور والظروف المستجدة سياسياً وإقتصادياً وإجتماعياً.
لذا كان جلالة الملك عبد الله الثاني إبن الحسين -حفظه الله ورعاه- ولا زال المبادر والراعي منذ أكثر من عشر سنوات لتشكيل الحكومة البرلمانية وفق خارطة طريق برزت في الورقة النقاشية الثالثة التي صدرت بتاريخ 2 آذار 2013 على أن عملية تطبيق التحول الديمقراطي تتطلب وعي كافة الأطراف في المجتمع للأدوار في بناء المستقبل، كشركاء في هذه العملية، حيث ركز جلالتة حفظه الله ورعاه على المستقبل المشترك وكيفية المضي قدماً، فمفهوم الحكومة البرلمانية، في حده الأدنى، يتمثل في ترتيب العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية على النحو التالي: "أن تكون السلطة التنفيذية خاضعة لمساءلة الأغلبية النيابية من خلال آلية منح الثقة أو حجبها"، وهذا ما ينص عليه الدستور الأردني، و"إن تعميق نهج الحكومات البرلمانية سيتدرج وفق تقدم العمل الحزبي والبرلماني وعلى عدد من الدورات البرلمانية. وسيتدرج هذا النهج بإدخال آلية للتشاور المسبق مع مجلس النواب للتوافق على تكليف رئيس للوزراء، والذي بدوره يتشاور مع مجلس النواب على تشكيل فريقه، وعلى البيان الوزاري الذي يشكل برنامج عمل الحكومة".
إن مسؤولية نجاح الدولة الأردنية في تحقيق ديمقراطية فاعلة وحقيقية ومتجددة تحقق طموحات جميع المواطنين، يقع عاتقه على جميع الأطراف المعنية داخل حدود المملكة من المواطنين أنفسهم بالدرجة الأولى وتمثيلهم الحزبي ضمن أحزاب وطنية فاعلة ومؤثرة، وهذا يتطلب واقعاً من العمل الجاد للوصول إلى الديمقراطية المنشودة التي يتجلى بها دور جميع الأحزاب السياسية في ممارسة حقها الدستوري وصولاً إلى التجمع والاندماج لتحقيق هدف بناء الدولة بجميع أركانها، والوصول إلى درجة من النضج الفكري والسياسي والوطني الذي يمكّنها من تشكيل حكومات ممثلة للشعب وطموحاته، وتدفعه إلى التوجه لصناديق الاقتراع لانتخاب مرشحه على أسس حزبية وبرامجية بعيدة كل البعد عن العشوائية والفئوية والمناطقية وتوريث المناصب السياسية.
وقد أسست الأوراق النقاشية الملكية عبر الأعوام (2012 و2013 و2014 و2016 و2017) لمنهج إصلاح حكيم يؤدي إلى نتائج إصلاحية تعزز النهج الدستوري بتعزيز مبدأ الحوار بين أطراف المعادلة السياسية، وقام جلالة الملك عبد الله الثاني -حفظه الله ورعاه- بإصدار أوراقه النقاشية بتسلسل زمني؛ ابتداء من توصيف الواقع الأردني، مروراً بالانتخابات البرلمانية، والتعديلات الدستورية، واستحداثات الأجهزة والمراكز التي تخدم المسيرة الديمقراطية، وصولاً إلى تشكيل الحكومات البرلمانية، فالحكومة البرلمانية مؤشر على تجذر الممارسات الديمقراطية، وتطوير النظام الديمقراطي، إذ إن الوصول إلى هذه الحكومات يتطلب أحزاباً قوية، ذات قاعدة جماهيرية واسعة، لها القدرة على التعبير عن مصالح أفراد المجتمع وأولياتهم وهمومهم، وتتبنى برامج وطنية قابلة للتطبيق.
واستكمالاً لمسيرة التحديث السياسي الأردنية، واستكمالاً لبناء الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة، تم إقرار قانون الانتخاب رقم (4) لسنة 2022 برفع عدد أعضاء مجلس النواب إلى (138) نائباً، وخصص (97) مقعداً للدوائر المحلية و(41) مقعداً للدائرة العامة (القوائم الحزبية)، وجاء قانون الأحزاب السياسية في عام 2022 ليمثل أحد مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، ونظراً لأهمية الأحزاب ودورها في المجتمع الأردني، أعاد قانون الأحزاب التأكيد على ضرورة زيادة عدد المؤسسين في الحزب، بعد أن انخفض من (500) إلى (150) عضواً، فقد اشترط قانون الأحزاب أن يكون عدد الأعضاء المؤسسين (1000) عضو عند عقد المؤتمر التأسيسي للحزب، وأن يحضر الأغلبية منهم المؤتمر التأسيسي للحزب، كما اشترط وجود (300) عضواً مؤسس لتقديم طلب التأسيس.
إن انتخابات البرلمان لعام 2024 ستكون خطوة مهمة ورئيسة في الوصول إلى الحكومة البرلمانية بغض النظر عن النتائج التي تحققها، ولكنها تشكل تجربة جديدة للناخب والأحزاب في ممارسة دورهم الانتخابي، لأن البرلمان القادم وأداءه سيشكل إختباراً لمستوى وعي المواطن في الأردن وتجرية الأحزاب في الانتخابات.
مالمطلوب إذن؟!
المطلوب هو ضرورة المشاركة الشعبية بما يعكس ثقل وحضور حجم التوافق الوطني القائم على منظومة رأي عام واعية، وقاعدة اجتماعية منظمة، وأحزاب سياسية وطنية حريصة كل الحرص على على مكتسبات الوطن وحماية منجزاته وترسيخ استقراره واضعة مصلحة الوطن والمواطن بالدرجة الأولى….
*دكتورة وباحثة سياسية