تنام سيدة قوس قزح في سرير من الغيم، تتحرك الملائكة على رؤوس أصابعها خشية إيقاظها، تنام وعلى شفتيها ابتسامة غامضة، فيها قدر كبير من السخرية، وربما الفرح والحزن، فهي كما يبدو سعيدة بسريرها في الأعالي، تغفو على حلم وردي، حيث أدت ما عليها، وتتسامر مع أطياف الطيبين الذين أضاءت حياتهم بخيرها، ومدت لهم يد الحب والعطف، لا تستمع لما يدور حولها من أصوات أرضية، محاولة إيقاظها من غفوتها الرحمانية، تبدو مستمتعة ولسان حالها يقول: لا توقظوني أيها الأحبة، فأنا في فرح غامر مع حفيف الأحلام، أسامر الأطياف الظمأى للحنان، وأمسح على رؤوس الغلابى، وأبلل شفاه العطاشى للحب بقطرات الندى!
سيدة قوس قزح، جاءت من عصر سحيق، لا ينتمي إلى دنس هذا العالم، فلم تطق المكوث طويلا، آثرت الرحيل إلى ملاذ سرمدي، بدأت حياتها على الأرض كأسطورة، بعضهم يقول أنها ابنة الإله أطلس حامل الأرض، وأم الإله عطارد خادم الآلهة , وآخرون يقولون أنها الهة الخصب والنمو والزيادة, وقد قيل أن الرومان كانوا يقدمون القرابين لها أول الشهر، وفيما بعد، استعارت الشعوب الأوروبية ذكراها، فطفقوا يحيون أول شهر مايو/ ايار بانتخاب أجمل فتاة ليتوجوها (ملكة أيار) .
وباعتبارها الهة الخصوبة القديمة، والمسؤولة عن إرسال المطر لتغذية المحاصيل، سميت عند أداء هذه المهمة "سيدة قوس قزح"، وتناسلا من هذا الدور، اعتبرها البعض الهة الحب والخصوبة والزهور، والسرور، والهة الازهار والاثمار على سطح الأرض.
تبدو والحالة هذه، سيدة قوس قزح، كما الأسطورة، لأنها حملت ذلك الاسم المكتنز بالتاريخ والخيال، ولكنها جسد من أثير، سعت ذات يوم بالخير بين الناس، ووزعت جسمها في جسوم كثيرة، فلم تسمع بمحتاج إلا ومدت له يد العون، وما رأت دمعة إلا ومسحتها بكمها، وما بكى يتيم إلا واحتضنته، وحتى تلك العجوز المقعدة التي كانت تحاول قطع الطريق، سارعت إلى حملها وهي تفوقها وزنا، كانت ملاكا يسعى بالخير بين الناس، ولهذا لم تقوَ على البقاء طويلا بين البشر، فاختارت سريرا في الغيم لتقيم فيه، والناس حولها يحاولون أن يوقظوها ويصلوا إليها، وهي تأبى!
سيدة قوس قزح.. ألا تستمعين إلى نداءات المحرومين من أبنائك الذين اعتادوا رؤيتك بينهم توزعين الحب بينهم؟ ألا يصلك صراخ الصمت الذي يشق صدورهم؟ ألا تهزك توسلاتهم؟ يا وردة استمرأت النوم في سرير الغيم، كم افتقد المحرومون والحيارى ومحبوك عبيرك الفواح، فطفقوا يشخصون بصرهم إلى السماء، متوسلين عودتك إليهم، ولو لبرهة كي يبللوا ظمأهم برؤيتك تمشين بالخير والحب والحنان بينهم، هل تسمعين أنين المعذبين بفقدانك؟
سيدة قوس قزح، إلا تشعرين بالبرودة في سرير الغيم ذاك؟ ألم تضجري مما يسمونه الموت السريري، كي تعودي إلى مناكفة زهر اللوز، ومداعبة القطط التي كانت تتجمع حولك كل صباح لتأكل من يديك؟ عودي لهم، لهم كلهم، اليتامى والمحرومين، والمحبين، فهم ينتظرون إشراقة شمسهم التي تظل من افترار شفتيك عن ابتسامة، أو رفة جفنيك عما يدل انك هنا، وليس في العالم الآخر!
(الدستور)