وكأننـا الآن على مقاعد القطار السريع، فهذه الحياة بوجوهها المختلفة وتفاصيلها باتت مشهداً سريعاً يمر من نوافذ أيامنا التي نعبر بها هذا الزمن، فبغفلة الإعتياد تأخذنا هذه الحياة وكأننا بتنا نتجرعها دون نكهـة أو لـذة !!.. كل شيء صار سريعاً منزوع اللذة في هذا الزمن، الذي أقل ما يمكن أن نصفه بأنه زمن العجلة حيث باتت به السرعة أكثر الحقائق سيطرة ونفوذاً على مجمل وجوه حياتنا وسلوكياتنا وتعاملاتنا اليومية.
فنجان قهوتنا الأصيلة تحول من طقس إجتماعي ترويحي الى مشروب سريع نتناوله دون التلذذ بطقوسه وتفاصيله.. حتى أوقات الطعام صارت واجباً نمارسه تلقائياً دون التمعن بما نُدخل الى أجسامنا من طيبات هذه الأرض، بل إستبدلناها بأطعمة محضرة أو معلبة تتكدس بالأجساد وتعيق مسار الطاقة الطبيعية وبذلك قل منها النفع وقلت البركة!!.. احاديثنا وزياراتنا باتت طارئة وقصيرة وعادة يكون الهدف الأول منها العمل أو المنافع المادية، وبذلك نكون قد طوينا البعد الإنساني الإجتماعي بين البشر بالتواصل وعظيم منافعه!!! شاهدوا معي شوارعنا التي تعج بالسيارات.. التي أقرب ما يمكن أن نشبهها بسيارات سباق ضمن حلبة رالي، وكأن هناك شيئاً يدعونا الى الإستعجال!.. أو ربما نحن شعب اللحظات الأخيرة الذي فقد مهارة ونعمة الصبر والتخطيط المسبق.
ماذا نقول أكثر؟! حتى الأطفال الذين هم زينة الحياة الدنيا صار تواصل الكثير من الأهل معهم شيئاً ثانوياً وبات أمراً مسلماً به.. كأن براعم التذوق والتلذذ بتفاصيل الحياة قد إنمحت من ألسنة ثقافتنا وكينوناتنا!.. أوقات الراحة والإستجمام أصبحت ما هي إلا وجه آخر من العمل وهمومه.. ولكننا ننقلها ونركزها في بيوتنا وفي غرف معيشتنا.. حيث نتجرع صور ومشاهد من مشاغلنا التي لا تتوقف وبذلك نكون قد نقلنا العمل وهمومه الى ركن المعيشة بين أفراد أسرتنا والأصدقاء!! الأدوار الحياتية تشوهت تقريباً وانمسحت بفعل قوة السرعة التي تكاد أن تجعل منا آلات تدور ضمن عجلة هذا العصر.. لنصبح بذلك شعب اللحظات الأخيرة.
حتى سنن الحياة كالنوم ما سلمت من هذا!.. فباتت فسحة النوم قلقة محملة بالتعب.. وها هي أجهزتنا الخلوية باتت فضوليا يؤم ليالينا وكأننا نستكثر على أنفسنا مساحة طبيعية للراحة.
من يظن أن كفاءة الإنتاجية تتعارض مع الراحة المعقولة فهو مخطئ، فدول العالم المتقدمة والصناعية قد ضربت مثلاً ثقافياً واضحاً من خلال استغلال وقت الراحة والفراغ بكفاءة حيث يعود الفرد لعمله بطاقة أكبر بعد أن يشحن نفسه بفسحة راحة مهما كانت قصيرة أو عارضة.
نحن شعب اللحظات الأخيرة ربما لم نعتد أيضاً على ثقافة الإجازات وفسحات الراحة فأحياناً دقائق من التأمل في الطبيعة والهدوء قد تعادل ساعات من النوم المضطرب وهي كفيلة بزيادة فرص الفرد في الإبداع والتقدم!!.
Diana-nimri@hotmail.com
(الرأي)