مقال في الشأن الأرثوذكسي – بقلم فؤاد الكرشة
الأسبوع الماضي وخلال حوار تلفزيوني بثتهُ أل OTV جمعت الإعلامي ريكاردو كرم بمعالي الوزير السابق ميشال اده اللبناني الماروني حيث قال الأخير"أن السيدة العذراء مريم تشكل أحد الجوامع الأساسية اللبنانية التي يتوافق عليها جميع اللبنانيون من شتى الطوائف" انتهى الاقتباس، سنعود لهذا لاحقا ...
في أول جمعة بعد أحد الفصح المجيد (عيد القيامة) تحتفل الكنيسة الأرثوذكسية، بعيد السيدة العذراء ينبوع الحياة وهو عيد رسمي حافل، ويأتي اسم ينبوع الحياة من قصة موثقة تاريخياً حوالي عام 450 ميلادي تقريبا أشارت لينبوع مياه نقي موجود في ضواحي مدينة القسطنطينية (اسطنبول حالياً) بوركَت مياه الينبوع بظهورات للسيدة مريم العذراء بحسب شواهد عدة.
1999 جرش – غابات دبين
في صباح 15.4.1999 وبين جبال دبين الخضراء حيث كنتُ هناك أقف مع حشود كبيرةَ من الرعية الأرثوذكسية وصل الموكب ألبطريركي المهيب من القدس الذي يُقل المرحوم البطريرك ذيوذوروس الأول يرافقه المطران د. عطا لله (ثيوذوسيوس) حنا وفي حينها كان ما زال الأخير أرشمندريت، المفاجأة كانت بخروج ذيوذوروس الأول من سيارته "الفولفو السوداء" وهو المتقدم في السن والمنهك من المرض الذي أقعده ليظهر على كرسيه المتحرك محمولاً من مرافقيه بصعوبة يتقدم الجمهور الحاضر إلى أعلى الجبل رغم طبيعة الأرض الوعرة ليضع بيديه حجر الأساس لأول دير أرثوذكسي للراهبات في الأردن بعد انقطاع الحياة الرهبانية لمئات السنين وهو الدير الذي حَمل اسم العذراء ينبوع الحياة موضوع المقال، أذكر أيضا حضور المرحوم المطران قسطنطين والمرحوم المطران سمعان (سلفستروس) الفار.
رغم مرض المرحوم البطريرك ذيوذوروس الأول الذي كان (يغسل كلي) إلا أن حضورهُ الشخصي جاء أولاً لمنح البركة لتجديد مفهوم الأديرة والحياة الرهبانية في ظل هذا العالم المتحول للعلمانية، وثانياً ليؤكد كبطريرك على هذا المشروع الذي تبناه الأرشمندريت حنا (خريستوفورس) عطا لله صاحب المبادرة، وثالثاً لتشجيع ودَعم الرعية الأرثوذكسية في الأردن لانجاز الدير على أكمل وجه خدمةً للكنيسةَ والمجتمع.
ببركة البطريرك ارينيوس الأول الشفوية (وهناك شهود على ذلك) تم افتتاح الدير بتاريخ 10.5.2002 حيث قام المطران فينذكتوس مطران عمان للروم الأرثوذكس بسيامة 3 راهبات من بنات الرعية لدير السيدة العذراء ينبوع الحياة في دبين، واليوم بفضل معظم التبرعات المقدمة من أبناء الرعية نشاهد الدير قائماً بمساحة بناء تقدر ب 4100 متر مربع تقريباً على 12 دونم تشمل الكنيسة الرئيسية والكنيسة الصغيرة وقلايات الراهبات والقاعة العامة والساحات الخارجية وغيرها.
ما هو مستقبل الدير؟
هذا هو السؤال المؤرق! حيث أنه لا يوجد قانون أو نظام داخلي رسمي مُفعل و معتمد من قبل البطريرك الحالي ثيوفيلوس الثالث والمجمع المقدس للدير! وقد نجد أن القوانين الداخلية لبعض الأديرة التابعة للبطريركية في فلسطين غير مطبقةَ بشكل كامل وما يجري هناك هو عُرف تقليدي كنسي قديم متبع لتسيير شؤون الأديرة ورهبانيتها وهنا نستثني الأديار التاريخية الكبيرة كدير مار سابا على سبيل المثال، ومع مرور السنوات فان العديد من الأديرة تحولت إلى مزارات وفرغت من الرهبان والراهبات لأسباب مختلفة وهذا الحال يصب في مصلحة عرقلة الحياة الرهبانية وتأخير التحاق أبناء وبنات الرعية بالسلك ألرهباني، قوانين وأنظمة الأديرة متعددة ومختلفة كلٌ حسب ظروف الدير ذاته، آباء الكنيسة القديسين أمثال باسيليوس الكبير وأنطونيوس الكبير أصاغوا هذه القوانين ومنها على سبيل المثال كيفية انتخاب رئيس الدير، طريقة قبول الرهبان وتحضيرهم، خصوصية الأب الروحي للدير وأي أمور أخرى قد تتعلق بالصلوات واستقبال الحجاج والزوار، ومكانة مؤسس الدير وغيرها وهذا ينطبق على أديرة الراهبات كما هو للرهبان، وهو تماما ما نفقده!
مستقبل الأديرة الأرثوذكسية في الأردن أحد هموم الرعية التي ُتنادي لأجلها دائماً وفي كل مناسبة لما تمثلهُ من دعم روحي وامتداد للوجود المسيحي الشرقي، يكفينا أن نخلدَ ليلاً لبيوتنا بين أهلينا وأطفالنا بينما تسهر راهبات دير السيدة العذراء في دبين ساعات الليل في الصلاة والدعاء لله عز وجل للأجل خير جميع الناس و للأجل سلام كل العالم.
أؤيد ما أشار إليه الوزير ميشال اده عن السيدة العذراء، هي نفسها الطاهرة النقية التي ذكرها الكتاب المقدس وذكرها آباؤنا القديسين كما ذكرها القرآن الكريم في سورة آل عمران حيث جاء في الآية رقم 42 "وإذ قالت الملائكةُ يا مريمُ إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين" ، الجمعة 29.4.2011 يصادف عيدُ السيدة العذراء "ينبوع الحياة" وهو عيد ديرَنا الحبيب فمنهُ ترفع الرعية الدعاء لرب البرايا وتطلب شفاعة سيدتنا مريم العذراء لحفظ الأردن وشعبه وجيشه ومليكه من كل شر.
تعريفات:
• الأرشمندريت: لقب كهنوتي كنسي أرثوذكسي متقدم ومعناه الرئيس، وجب على حامله أن يكون راهبا بتول مؤهل لنيل درجة الأسقفية (مطران).
• قلايات: أصلها كلمة يونانية لفظها (كلييون أو كيلي) هو المكان الذي يعزل به الراهب نفسه ليتفرغ للعبادة وهو اسم يطلق على غرف مبيت الرهبان.
• القديس باسيليوس الكبير: ولد في القرن الثالث ميلادي وصفه البابا القبطي شنودة الثالث أنه من أقوى الشخصيات اللاهوتية
• القديس أنطونيوس الكبير: ولد في القرن الثاني الميلادي ويعتبر مؤسس الحركة الرهبانية ويلقب بأبي الرهبان
قصة ينبوع الحياة – إعداد الأستاذ الياس نينو
http://www.jordanorthodoxmonastery.com/EID/Alyounbo-2009.doc
• صور من احتفال وضع حجر الأساس للدير تعود لعام 1999
• صورة عن الكتاب التفويض الموقع من جناب السكرتير العام للبطريركية آنذاك المطران تيموثي بخصوص الدير الموجه للأرشمندريت خريستوفورس عطا لله.