جريس سماوي .. خصب الارض وروح المكان
د. صبري ربيحات
17-07-2024 08:44 PM
بالامس تشرفت بتلبية دعوة الأخوة في نادي الفحيص للمشاركة في احتفال رفع الستار عن المجسم الذي عملت عليه الفنانة الدكتورة حتر واثرت ان ترسله من الولايات المتحدة كهدية الى الفحيص والاردن بالتزامن مع الذكرى الرابعة لرحيل معالي الاخ والصديق الشاعر جريس سماوي الذي انسحب من بيننا في أعلى مواسم الخوف من الجائحة اللعينة..
نعم ، لقد كان رحيل جريس مباغتا ودراماتيكيا ومفجعا فلم يتح لنا ان نودعه الوداع الذي يليق بشخصه المحب الودود ولا بعبقرية التواصل و حجم الحضور الذي كان لجريس الشاعر والمثقف والاردني الغساني ولا لجريس الوزير الذي فهم ثقافتنا وفكك رموزها وعزف على أوتار قيثارتها وجعل منها انشودة تضيء حياتنا وارواحنا.
لقد جاء رحيل جريس بعد ايام قليلة من رحيل رفيقه وصديقه وشقيقه الاعز . منذ تلك اللحظة وهو يصارع المرض فقد جريس شهيته للحياة فلم تحتمل روحه الشفافة المزيد من العيش من دون سليم .. لقد هزنا جميعا ما فعلته الكورونا بنا وكيف تجرأت على اختيار الاعزاء والاحبة وافتراسهم وسط ذهولنا وقلة حيلتنا واستسلامنا.
قد بكينا جريس واحسسنا بالفقد الكبير الذي لم يعوضنا عنه ارثه الأدبي والفكري والخلقي ولا ذكرى الايام التي تزاملنا فيها واختلفنا واتفقنا ...لا زلت اذكر كيف كان جريس شفافا مثل القطر ونبيلا كريما مثل شيوخ الجذاميين .كان مرهفا يشعر بالناس ويتفهم مواقفهم كان عفويا في تعامله قريبا من الناس مبهرا عندما يتعلق الامر بالمكان والهوية والرمز كان ناسكا زاهدا متسامحا محبا يغضب لما يغضب الضمير وفرحا بكل اداء يشعرنا بان بيننا من قد ياخذنا لتضاريس هذه الارض ومكامن الخير وبؤر الابداع فيها.
لم أجد لنفسي عذرا ان اغيب عن هذه المناسبة لا لاحضر مراسيم رفع الستارة بل لاني كنت محتاجا الى وسط كهذا لارفع الستارة عن الحزن الذي تولد في قلبي يوم رحيله و لم أجد وقتا لافتح الغطاء عنه.
غادرت منزلي عند السادسة والنصف متجها الى الموقع الذي أقيم فيه الاستذكار وكان رفيقي الى المناسبة طيف جريس .تحدثنا كثيرا وتشاورنا وعاتبته وعاتبني ووضحت له بعض المواقف التي مررنا بها ولم تاخذ حقها من البحث والتفسير والتحليل... قلت له لم تعد الفحيص يا جريس كما كانت بالنسبة لي....فقد كنت روحها واحد اجمل محطاتها.
تذكرت اننا استقلينا قبل سنوات السيارة معا لمقبرة ماحص للمشاركة في مراسيم دفن المرحوم سليمان البخيت نجل المرحوم معروف البخيت وعدنا الى بيت العزاء معا وكان جريس متأثرا بمنظر المرحوم معروف الذي لم يمكنه المرض من ان ياخذ العزاء في فلذة كبده ووحيده ....
الرحمة لروحك يا جريس والعزاء كل العزاء لشقيقاتك ولفارس نجل الراحل العزيز سليم ووالدته ولنا جميعا.