تعليم الكبار .. بين تطوير الذات والحاجة للارتقاء بالمجتمع
17-07-2024 05:37 PM
يعد التعليم المستمر كتعليم للكبار شكلا من أشكال التعليم المصمم خصيصا لتلبية احتياجات البالغين الذين يرغبون في متابعة التعلم بعد سن الرشد. فهو عملية مستمرة ومتكاملة تهدف إلى تعزيز المعرفة والمهارات لدى الأفراد، مما يسهم في تحقيق التنمية الشخصية والمجتمعية والاقتصادية ويحقق العدالة المجتمعية. فمن خلال هذا التعليم، يمكن للكبار التكيف مع التغيرات السريعة في العالم المعاصر والمساهمة بفعالية في مجتمعاتهم. ويختلف هذا النوع من التعليم عن التعليم التقليدي في النهج والمحتوى، إذ يركز على تمكين الكبار من اكتساب مهارات ومعرفة جديدة تحسين كفاءاتهم المهنية، وعلى تطوير جوانبهم الشخصية والاجتماعية كقوى عاملة ذات قدرات ومهارات تواكب التكنولوجيا، وتهدم هوة أمية الكفايات المعاصرة والأمية الرقمية وتدعم مدخلات سوق العمل وتطور مجال تخصص الفرد دون أن يكون ملما علميا فيه؛ لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة في المجتمع من خلال تحسين الاستثمار الوظيفي بالتكيف مع المستجدات وزيادة الثقة بالنفس.
وهناك تحديات كثيرة تواجه الذين اختاروا طريق التعليم في مراحل عمرية متقدمة، ومنها أن المناهج التعليمية المخصصة للكبار لا تراعي الكثير من خصوصية الكبار فهم ينتمون إلى مراحل عمرية عريضة ممن وجدوا أن التعليم هو الأنسب لوضع حلولا لمشكلاتهم. وللأسف لم تأخذ الكثير من الدول خصوصية الكبار في المناهج المخصصة لهم من حيث التطبيق العملي الدامج بين المعرفة والمهارات وتنوع الاستراتيجيات التعليمية التي تتناول التعلم التفاعلي والتعلم الذاتي والمحاضرات، ولا تراعي حتى مرونة الأوقات وتقدير الخبرات السابقة. وكذلك لا تقوم مؤسسات المجتمع المحلي على دعم برامج تعليم الكبار؛ إذ تقيس هذه المؤسسات ما تقدمه إليهم على أنه دعم لمدخلات سوق العمل، ويُنظر إلى تعليم الكبار كترف ولا يرقى لأن يكون من باب التدريب والتأهيل لشريحة من المجتمع لدخول سوق العمل، والكثير من الشركات والمؤسسات لا تضع حدا أعلى لطالبي الوظائف، ما يسهل العمل لطلاب الوظيفة مهما كانت أعمارهم.
وهناك حاجة مجتمعية لتعليم الكبار تكمن في الارتقاء بالمجتمع، فلا يعقل أن العديد من الأطباء والمهندسين والمتعلمين بشكل عام، يعيشون جنبا إلى جنب مع أمهات وآباء وأشقاء من الذين لم يحالفهم حظ التعلم في أيٍ من مراحل التعليم والحياة الأخرى، مما يؤثر على المستوى التعليمي بشكل عام وبشكل نسبي على المجتمع برمته، كما لا يعقل أن يكون الأب متعطشا للعلم بينما نجد ابنا أو ابنة قد عافت نفسه القراءة والكتابة.
ويستفيد المنضوون تحت مظلة برامج تعليم الكبار من مواكبة التقدُّم الكبير في مجال العلوم والتكنولوجيا؛ فتعليم الناس بمختلف الفئات العُمريّة حاجة كبيرة لتدارك الكثير من المجالات لدى الكبار في الكثير من صنوف المعرفة؛ إذ أن هناك أمية رقمية لدى الكثير من الناس، وصار لزاما على الكثير من المتعلمين أن يعترفوا بحاجاتهم إلى تعلم بعض اللغات كالإنجليزية وتعلم القراءة والحساب وبعض العلوم الإنسانية ليكونوا قادرين على إيجاد لغة مشتركة تسود بين أفراد العائلة والمجتمع.
وإذا كنا نجزم أن تعليم الكبار هو نشاط طوعي يمارسه الفرد حسب رغبته إلا أنه يؤثر على المستوى العام للمجتمع في الكثير من النواحي، وتعد الاحصائيات الخاصة بالأمية بصنوفها مقياسا على تقدم المجتمع أو تخلفه. فتعليم الكبار الخاص بمن فقد الفرصة للتعليم في سنوات حياته الأولى هو من أهم أنواع تعليم الكبار إذ يقدم لهم فرصا مستمرة للتعلم والتطوير الشخصي والمهني، ويشجعهم على الانخراط في القضايا المجتمعية والسياسية، ويزيد وعيهم بحقوقهم وواجباتهم.