في عالم الادارة والقيادة في العمل الحكومي، تبرز الحكمة والوصايا التي يقدمها القادة الذين أثروا في مسار التاريخ وساهموا في تقدم مجتمعاتهم. من بين هؤلاء القادة، يتجلى الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة ورئيس مجلس الوزراء وحاكم دبي، كرمز للقيادة الفعالة والمُلهمة. إحدى وصاياه البارزة للمدراء الحكوميين هي "لا تعبد الكرسي"، والتي تعكس فلسفة ادارة ترتكز على خدمة المجتمع وتجنب التمسك بالسلطة لمجرد السلطة. في هذا المقال، سنتناول معاني ودلالات هذه الوصية وكيفية تأثيرها على القيادة الفعالة.

وصية "لا تعبد الكرسي" تحمل دلالات عميقة تتعلق بأهمية الابتعاد عن التمسك بالمناصب والسلطة كغاية بحد ذاتها. هنا، يرمز "الكرسي" إلى المنصب والسلطة، و"عبادته" تشير إلى الانغماس في التمسك بالمنصب لأغراض شخصية على حساب الخدمة العامة.

القادة الحقيقيون يركزون على تحقيق الخير لمجتمعاتهم وتحقيق مصالح المواطنين بدلاً من السعي للبقاء في المناصب بأي ثمن.

تتسم القيادة الفعالة بالمؤسسات الحكومية بالتركيز على خدمة الناس والمجتمع. المناصب الادارية ليست امتيازًا بل مسؤولية، ويجب أن تكون المناصب وسيلة لتحقيق الأهداف السامية وليس غاية في حد ذاتها. المدير الفعّال هو من يسعى لتحقيق الخير لمجتمعه ويبذل جهده في تحسين حياة الناس.

لتطبيق وصية "لا تعبد الكرسي" في العمل الحكومي، يجب على المدراء تبني عدة مبادئ أساسية:

1. الشفافية والنزاهة: يجب على المدراء أن يكونوا شفافين في تعاملاتهم ونزيهين في قراراتهم. الشفافية تعزز الثقة بين الحكومة والمواطنين، وتجعل القرارات أكثر عدلاً وشمولية.

2. تشجيع الابتكار والإبداع: الابتكار هو مفتاح تحسين الخدمات الحكومية وتلبية احتياجات المجتمع بطرق فعالة. المدراء الذين يشجعون الابتكار يمكنهم تحسين الأداء الحكومي وتحقيق نتائج أفضل.

3. التواصل المستمر مع المواطنين: تعزيز العلاقة بين المؤسسة الحكومية ومتلقي الخدمات من خلال الاستماع إلى آرائهم واحتياجاتهم. هذا يعزز من المشاركة المجتمعية ويزيد من فعالية السياسات والخدمات.

4. التركيز على الخدمة العامة: يجب على المدراء أن يكونوا مكرسين لخدمة المجتمع وتحقيق مصلحته فوق كل اعتبار شخصي. يجب أن تكون الأهداف الحكومية موجهة نحو تحسين حياة المواطنين، وليس لمصالح شخصية.

5. التطوير المستمر: السعي للتطوير المستمر في الأداء الحكومي من خلال التعلم والتدريب واستخدام التكنولوجيا الحديثة. هذا يضمن تحسين جودة الخدمات ويعزز من فعالية الحكومات.

وصية "لا تعبد الكرسي" تحمل في طياتها معاني عميقة تعزز مفهوم القيادة الخادمة والمسؤولة. القيادة الحقيقية تكمن في القدرة على تحقيق الأهداف السامية وخدمة المجتمع بإخلاص وتفانٍ. من خلال اتباع هذه الوصية، يمكن للقادة الحكوميين أن يسهموا في بناء مجتمعات أكثر عدالة وازدهارًا. كما أن تقدير العمل والإنجاز بدلاً من التمسك بالسلطة يعكس فلسفة القيادة التي تؤدي إلى التقدم والنجاح الحقيقي. "رصيدك الحقيقي هو عملك وإنجازك، وكلما أنجزت أكثر ارتفع منصبك، وعلا اسمك، وأحبك الناس.، "لا تعبد الكرسي".

* خبير التدريب والتطوير/ كلية محمد بن راشد للادارة الحكومي