سرقة الأبحاث العلمية .. انحدار نحو القاع
د. أشرف الراعي
17-07-2024 12:29 PM
لعل واحداً من أبرز التحديات التي يعاني منها القطاع الأكاديمي العالمية آفة "سرقة الأبحاث العلمية والأكاديمية" سواء من خلال المنصات الرقمية أو مواقع التواصل الاجتماعي أو من خلال انتشار المراكز البحثية التي تساعد الطالب في إعداد أبحاثه أو رسائله للماجستير والدكتوراه، لينال في النهاية لقباً لا يستحقه ولا هو مؤهل لحمله، في ممارسات أخلاقية لا تؤثر فقط في جودة البحث العلمي بل تضرب المصداقية الأكاديمية في مقتل.
وحتى نوضح المقصود بمفاهيم السرقة العلمية؛ فلا بد من الإشارة إلى أن سرقة الأبحاث العلمية تشمل عدة أوجه، كالانتحال (Plagiarism) الذي يعني "نسخ نصوص أو أفكار من أبحاث أخرى دون الإشارة إلى المصدر"، وكذلك التلاعب بالبيانات من خلال تقديم نتائج مضللة أو معدلة بشكل غير صحيح، أو بإعادة التقديم (Self-plagiarism) عبر "إعادة استخدام الأبحاث السابقة دون الإشارة إلى ذلك"، و"الاستفادة من النتائج" من خلال "استخدام نتائج أو أفكار الباحثين الآخرين دون إذن أو تنويه".
ولأن هذه الآفة تمثل خطراً على العمل الأكاديمي، فلا بد من الوقوف على أسبابها، والتي أبرزها الضغوط الأكاديمية؛ حيث تواجه الجامعات والباحثون ضغوطا كبيرة للنشر في مجلات عالمية مرموقة، مما قد يدفع البعض إلى اتخاذ طرق غير شرعية لتحقيق أهدافهم، لا سيما وأن ذلك يكون مطلوباً خلال فترة زمنية محددة، وكذلك قلة الوعي الأخلاقي؛ حيث "لا يزال الكثير من الباحثين الجدد يفتقرون اليوم إلى الفهم الكافي لأخلاقيات البحث العلمي، مما يجعلهم عرضة للانزلاق نحو هذه الممارسات"، بالإضافة إلى التنافس غير العادل؛ ففي بيئات البحث القاسية، قد يتجه البعض إلى سرقة الأبحاث كوسيلة للبقاء في المنافسة.
سرقة الأبحاث الأكاديمية وانتشار هذه المراكز إنما يمثل انحداراً أكاديمياً نحو القاع، خصوصاً وأن سرقة الأبحاث تسبب في عدد من التأثيرات السلبية؛ كتراجع المصداقية؛ حيث تتراجع ثقة المجتمع الأكاديمي في نتائج الأبحاث، مما يؤدي إلى ضعف التأثيرات الاجتماعية والسياسية لتلك الأبحاث، وإذا كانت الأبحاث مبنية على أسس غير صحيحة، فإنها تؤدي بالتالي إلى نتائج غير دقيقة وتعرقل التقدم العلمي، مما يعني عرقلة الابتكار أو تراجعه، كما أن الأبحاث المسروقة تشكل في الغالب عبئاً مالياً على المؤسسات الأكاديمية، حيث تتطلب متزايداً من الموارد المالية والإمكانات البشرية للتحقيق في المخالفات الأكاديمية، وهو دور ربما تنبهت له مؤسساتنا الأكاديمية من خلال "فحص الاستلال" للأطاريح والرسائل الأكاديمية، لكنها حتى الآن غير قادرة على ضبط المراكز التي تعمل على إعداد الأبحاث للطلبة.
ولمواجهة ظاهرة سرقة الأبحاث، فلا بد من اتباع استراتيجيات تسهم في تعزيز الوعي الأخلاقي؛ حيث ينبغي على المؤسسات الأكاديمية تنظيم ورش عمل ودورات تدريبية للباحثين حول أخلاقيات البحث العلمي، وتعزيز استخدام برامج كشف الانتحال (الاستلال)؛ إذ يجب اعتماد تقنيات متقدمة لمراجعة الأبحاث في هذا المجال وتبني سياسات صارمة؛ إذ لا بد من أن يكون لدى الجامعات سياسات واضحة تفرض عقوبات على المخالفين، بما في ذلك سحب الأبحاث أو فرض عقوبات تأديبية، والإعلان عن هذه الإجراءات بشكل صارم وواضح ومحدد، وتشجيع الثقافة الإيجابية في تعزيز القيم الأكاديمية الإيجابية مثل التعاون والشفافية، مما يسهم في بناء بيئة بحثية صحية.
وهنا لا بد من أن أستذكر قولاً لصديق أكاديمي التقيته قبل أيام؛ إذ قال لي "المهم في الأستاذ الجامعي اليوم أن يكون قدوة للطالب"؛ فالمعلومة متوفرة أيمنا وكيفما كان، لكننا حتى الآن نعاني من عدم بناء القدوة لدى أبنائنا الطلبة في بعض المؤسسات الأكاديمية، وهو ما أتفق معه بالمطلق، والذي يتوجب على الأستاذ الجامعي غرسه في نفوس طلبته عبر زيادة الوعي بالأخلاقيات الأكاديمية وتعزيزها وتكريس الإيجابيات ونبذ السلبيات في العمل الأكاديمي.
ختاماً، تحتاج مكافحة سرقة الأبحاث العلمية إلى جهود جماعية من جميع الأطراف المعنية؛ فعلى الباحثين، والمؤسسات الأكاديمية، والهيئات الممولة، أن يتعاونوا من أجل تعزيز القيم الأخلاقية والنزاهة في البحث؛ فالاستثمار في بيئة أكاديمية صحية لا يضمن فقط جودة الأبحاث، بل يساهم كذلك في تحقيق تقدم علمي مستدام يعود بالنفع على المجتمع ككل.. ومجتمعنا اليوم بحاجة إلى هذا النفع وهذا التقدم.. والله من وراء القصد.