مذهل صمود المقاومة الفلسطينية الاسطوري في قطاع غزة، ومذهل اكثر صمود الشعب الفلسطيني في القطاع، وتحمله وصبره، وقدرته على استيعاب كل هذه الصدمات والضربات، والجرائم والمذابح والمجازر، التي يرتكبها الاحتلال الاسرائيلي للشهر العاشر على التوالي دون توقف.
لم يكن احد يتوقع كل هذا الصمود، والبطولات والبسالة والشجاعة، التي يبديها الغزيون في مواجهة العدوان الاسرائيلي الامريكي الاوروبي، الذي لم تعرف البشرية مثيلا لبشاعته وفظاعته واجرامه، الذي يتواصل في ظل اصرار جماعي واضح ومكشوف على اقتلاع قطاع غزة من الارض بمن فيه وما عليه.
اعجبتنا واطربتنا قدرات وبطولات وشجاعة اهالي غزة، وهم يتصدون للعدوان العسكري الاجرامي، حتى اصبح الجميع يتغنى بها، ويكتب عنها وبها شعرا ونثرا، وكم تعجبنا طلة الملثم، ونصفق له صغارا وكبارا، عندما يشفي صدورنا وهو يضخ المعنويات في عروقنا، والعزيمة في اجسادنا التي انهكها القهر، من مشاهد الابادة البشرية والدمار والخراب ، ونحن نعد دقائق وساعات وايام واسابيع واشهر العدوان، ونرى اجساد ابناء شعبنا في القطاع، تمزها قنابل وصورايخ وقذائف العدوان البغيض.
نفرح ونطرب كثيرا لكمائن ومصائد المقاومين، التي توقع وحوش المجرمين المحتلين، بين قتيل وجرح واسير، ونفرح اكثر ونحن نشاهد اجزاء الاليات الاسرائيلية تتطاير في الهواء ، ومزيد من الفرح عندما نرى قانصة الغول تفعل فعلها ، فهذا هو الوجه المشرق لبطولات الغزيين الابطال البواسل ، الذين استحقوا منا ومن غيرنا ، اعلى درجات التقدير والاجلال والتمجيد والتعظيم ، حتى انحنت كل الهامات امام بطولاتهم وتضحياتهم.
رغم كل هذا المجد الذي يلامس عنان السماء ، يجب ان ننظر الى الوجه الاخر من الصورة ، التي لا نشاهد ولا نرى من بشاعتها اكثر من عشرة بالمئة على اعلى تقدير، وهي معاناة الغزيين ، التي يواجهونها على مدار الساعة بسبب العدوان الاجرامي المتواصل على غزة للشهر العاشر، فهناك جرائم ارتكبت وترتكب في كل لحظة من قبل جيش الاحتلال بحق المدنيين العزل ، حيث ينتقم ذلك الجيش المهزوم في الميدان من المدنيين النازحين في مدارس الايواء ، الذي لا حول لهم ولا قوة ، حيث تحول الطائرات الحربية اجسادهم الى اشلاء خلال ثوان قليلة.
فماذا قدمنا نحن العرب لغزة وسكانها ، لحمايتهم من جحيم العدوان وناره المشتعلة منذ اكثر من تسعة اشهر، انها ليست نار القصف وجحيم الطائرات والدبابات فحسب ، بل جحيم الموت جوعا وعطشا ومرضا ورعبا.
ليس من حقنا ان نلقي باللائمة على دول العالم والمجتمع الدولي ونحن نيام، لا احد يفعل شيئا ولا يحرك ساكنا ، مما يطرح اسئلة كثيرة خطيرة ومريرة.
بعد اكثر من تسعة اشهر على الحرب الضروس في قطاع غزة ، مطلوب من الامة العربية ان تراجع مواقفها من هذه الحرب، ولا يجوز ان يستمر السبات العميق، وقطاع غزة يباد بهذه الوحشية والهمجية ،واذا اعلنتم العجز المطلق ،على الاقل توسطوا يا عرب لدى اسرائيل، كي تستخدم سلاحا نوويا يغطي مساحة قطاع غزة بالكامل ،حتى يرتاح الغزيون من كل هذه العذابات والمعاناة بالموت السريع، ولا يبقون مادة اعلامية اخبارية ، تسر البعض وتقهر البعض الاخر.
المخطط الامريكي الاسرائيلي واضح، لا غزة بعد الحرب ، ولا وقف لهذه الحرب قبل تنفيذ هذا المخطط، فماذا انتم فاعلون.
لا بد من اعادة النظر بالمواقف العربية المفقودة واستحضارها من جديد، وتوجيه كل الامكانات والطاقات لانقاذ من تبقى من سكان قطاع غزة الاحياء ، اما المنشآت والمباني والاسكانات وكل ما هو فوق الارض والبنى التحتية فقد انتهى، والجهود حاليا يجب ان تتركز على انقاذ الناجين من سكان قطاع غزة ، من جحيم هذا العدوان الامريكي الاسرائيلي الاوروبي المجرم المجنون.
يجب ان يتحول الغناء لقطاع غزة، الى صراخ ودعوات لمساعدة ابناء القطاع وانقاذهم من ابادة جماعية محققة.