في بيان مشترك، تم الإعلان عن فتح مكتب لحلف شمال الأطلسي الناتو في عمان هو الأول من نوعه في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا. القرار جاء في قمة الناتو الأخيرة في العاصمة واشنطن، وضمن خطة عمل تهدف لتدعيم التعاون مع إقليم الشرق الأوسط لمواجهة التهديدات للأمن والسلم الدوليين. الهدف من فتح المكتب سياسي وعسكري وإستراتيجي؛ زيادة التنسيق والتعاون وتبادل الخبرات والتدريبات، الحوار المستدام وتبادل الآراء حول الأمن والسلم الإقليمي وأفضل الطرق لمواجهة التحديات وتحقيق الاستقرار، الإفادة الإستراتيجية المتبادلة للوصول لفهم أعمق لواقع الإقليم وأفضل الطرق للتعامل مع ظواهر اللااستقرار في المنطقة.
الاتفاق مع الأردن له عديد من الدلالات، أولها، الثقة والاحترام الذي يحظى به الأردن وقيادته، وكم المصداقية الكبير الذي يتمتع به الأردن وملكه فعلا وقولا، ورغبة العالم من الإفادة والاشتباك مع هذه المصداقية. يدلل الاتفاق أيضا على كم الاحتراف والمهنية والجاهزية العالية التي تتمتع بها القوات المسلحة الأردنية الجيش العربي والأجهزة الأمنية، فهي التي تثبت دوما الكفاءة والمهارة والاحترافية والقدرة على الإنجاز ضمن عقيدة عسكرية ذات إرث قومي وديني عميق باتت من ثوابت الأردن، وهي مصنع حقيقي للرجال وحارس للمصالح ومنظومة القيم الأردنية. الدلالة الأخرى عميقة الثقة بالأمن والاستقرار في الأردن، وأن الأردن دولة مؤسسات وقانون، استطاع أن يحافظ على أمنه رغم انه محاط بسياج من النار وسلسلة أزمات لا تنتهي.
فائدة متبادلة تترتب على الاتفاق، فنحن مستفيدون لان القرار شهادة عالمية مهمة بالأردن وقدراته ودوره المحوري، ونستفيد أيضا لأننا نؤثر بالقرار الدولي من خلال تقييماتنا الإستراتيجية الاحترافية، فالأردن كما الشرق الأوسط كان في عديد من المحطات متأثرا بشكل سلبي بسبب قرارات دولية لم تستمع لنصائح وتقييمات الأصدقاء في الإقليم أوضحها في التاريخ الحديث الحرب على العراق 2003 عندما لم يستمع العالم لنصيحة الأردن، والمثال الآخر عدم إدراك العالم لخطورة استمرار الاحتلال الإسرائيلي وأهمية قيام الدولة الفلسطينية للأمن والاستقرار الإقليميين. الناتو مستفيد بالمقابل لأنه سيكون مطلعا بشكل مهني واحترافي أكثر على واقع الإقليم ويناقش أفضل الطرق للتعامل مع تحديات الأمن والاستقرار وبالتالي اتخاذ قرارات أفضل وأدق، ويعزز شبكة العلاقات والتعاون مع عديد من دول الإقليم ما يجعل التعاون أكثر إمكانية.
الشرق الأوسط مهم جدا للأمن والاستقرار الدوليين، فالإقليم ما يزال مصدرا أساسيا للتهديدات العالمية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة وتفجيرات أيلول من القاعدة 2001، منها انتشار أسلحة الدمار الشامل والإرهاب والتطرف وانتشار الدول المنهارة والتهديدات العابرة للدول. ويبدو أن أهم تحالف عسكري وإستراتيجي عالمي بدأ يسير نحو مأسسة العلاقة مع الإقليم بطريقة قد تؤدي لتعامل أفضل مع تحدياته، ومن أفضل أو أكفأ من الأردن ليكون شريكا إستراتيجيا في هذا التوجه المؤسسي الجديد؟
الغد