خبران مرّا من دون انتباه, مع أنهما بالغا الأهمية بالنسبة للتطورات الإقليمية اللاحقة. والخبران يأتيان, بالطبع, من العراق:
- 1- أعلنت قوات الاحتلال الامريكي أن ثلاثة أرباع الهجمات ضد جنودها, يقوم بها, الآن, مقاتلون شيعة.
- 2-وفي الوقت نفسه, أعلنت اللجنة الأمنية الإيرانية - الامريكية بشأن العراق, أنها حيّدت الجوانب السياسية من نقاشها, وركزت على إنجاز جدول أعمال " مهني" و" سري".الخبر الأول يشير إلى أن ثقل المقاومة العراقية, ينتقل من السنة إلى الشيعة. و تراجع نشاط منظمات المقاومة السنية, مفهوم, جراء الضربات والمطاردات المتتالية وحرب الإبادة التي تعرضت لها على مدار السنوات الأربع الماضية, وكذلك, بالدرجة الأولى, جراء انشغالها بالقتال ضد إرهابيي " القاعدة". لكن ارتفاع وتيرة المقاومة الشيعية, على نحو غير مسبوق, لم يكن متوقعا من معظم المحللين. وهو ما يعكس الانقلاب الذي طالما بشّرنا به في اتجاه الجماهير الشيعية نحو الانفضاض عن أوهام المشروع الامريكي. هذا الاتجاه سوف يتعمق أكثر فأكثر, وسوف ينحسر نفوذ الزعماء الشيعة مزدوجي الولاء للمخابرات الامريكية والإيرانية, عما قريب, إلى حدود" المنطقة الخضراء" هم وشركاؤهم من الزعامات السنية المتواطئة فيما يسمى" العملية السياسية", القائمة على المحاصصة اللصوصية.
الخبر الثاني يشير إلى أن واشنطن وطهران, على الرغم من التصعيد الظاهري بينهما, قد توصلا, فعلا, إلى صفقة, أصبحت ملحة بالنسبة للطرفين: فالامريكيون يريدون استباق الانفجار الشيعي الذي يعني نهايتهم في العراق, مستعينين بإيران, القادرة على شن حملة أمنية ضد الوطنيين الشيعة, ومحاصرتهم, ومنع الإمدادات عنهم. وبالمقابل, فان طهران تسعى لاستدراك نفوذها المتراجع في العراق, بالتفاهم مع الامريكيين. فلقد أفلتت قوى شيعية متنامية من قبضة القرار السياسي الإيراني, وهي تعمل باستقلال على استيلاد حركة مقاومة وطنية عراقية .
"سرية" الأجندة الأمنية الامريكية الإيرانية, ربما كانت مطلوبة من الناحية التكنيكية, لكن ما يهمنا هو الناحية السياسية. فواشنطن التي تجيش العرب المعتدلين ضد إيران, لها مصلحة في إخفاء اتفاقاتها مع هذا " العدو" المشترك, عن حلفائها, وعن تلك الأوساط السنية العراقية التي انتقلت إلى التفاهم الميداني مع قوات الاحتلال. واشنطن تلعب, باختصار, لعبة مزدوجة قذرة, بينما تحاول طهران حجب المعلومات عن الأوساط الشيعية المتمردة أو التي لم تعد موضع ثقة.
الانشقاق في الصفوف الشيعية السياسية هو انشقاق بين التيار الوطني الذي يرفض مبدأ القواعد الامريكية الدائمة وقانون النفط الاستعماري اللصوصي والفدرالية, وبين التيار المستعجم المتأمرك الإنفصالي .
هذا الانشقاق هو عنوان المعركة القادمة في العراق. وبذلك أصبح أمام المقاومين السنّة, فرصة الاندماج في حركة وطنية عراقية واحدة قادرة على إنقاذ البلد من الاحتلالين الامريكي والإيراني, وإعادة تأسيس الدولة العراقية الحرة على أساس وطني ديمقراطي.
الصراع العربي الإيراني موجود موضوعيا . وهو صراع قومي تنافسي, لا مذهبي ولا تناحري. ومن حق العرب, بل من واجبهم أن يخوضوا هذا الصراع, ولكن ليس لحساب واشنطن, بل لحسابهم . وهو ما يقتضي أمرين, أولهما, فك الارتباط مع السياسة الامريكية في العراق, وثانيهما, تقديم الدعم السياسي والمادي للوطنيين الشيعة, ومساعدة الوطنيين العراقيين من مختلف التكوينات على المصالحة والوحدة.