قبل كل شيء، فإنني لا أنوي خوض الانتخابات النيابية المقبلة، وعنوان المقال ليس له علاقة برغبتي بالترشح، إنما هو مشروع لبيان انتخابي افتراضي أطمح كما غيري من ابناء الوطن ان يعمل بمقتضاه الراغبون بالترشح لانتخابات مجلس الامة العشرين التي ستجري في العاشر من شهر أيلول (سبتمبر) المقبل.
أولا، علينا ان نعي ان مجلس النواب مهمته رقابية وتشريعية، والجانب الرقابي في ذات اهمية الجانب التشريعي، والسؤال والاستفهام والاستجواب من اساسيات العمل البرلماني، وعندما نعرف ان المجلس النيابي الحالي لم يناقش اي استجواب، فإننا وقتها نعي حجم التراجع الرقابي في هذا الجانب، وهذا من شأنه إضعاف المجلس امام الناخبين والمقترعين، ووضع علامات سؤال حول قدرات النواب الرقابية، فضلا عن قدرات المجلس التشريعية.
لا أنوي الخوض في الوقت الراهن، في قراءة حال مجلس النواب الحالي الذي يرجح حله خلال ايام معدودة، وانما هدفي الدفع بأن ننتقل كناخبين من مربع الانتخاب الفردي والعشائري والعائلي والجهوي، إلى مربع انتخاب البرامج والخطط، ومحاسبة النائب وفق برنامجه الانتخابي، ولا ضير بأن نطلب من كل راغب بالترشح رؤية واضحة نستفهم من خلالها عن طريقته في معالجة مواضيع سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وإدارية وغيرها من قضايا تهم الوطن والمواطن، ومناقشته في آليات حلها ورؤيته في التعامل معها، ومطالبته ببرنامج واضح لذلك، باعتبار ان مجلس النواب بيت الرقابة والتشريع والثقة بالحكومات، إذ لا يكفي القول المجرد بمحاربة الفقر والبطالة دون خطط اقتصادية واضحة، او القول بدعم الصناعة الوطنية دون مفاعيل على الارض تؤمن هذا الدعم، او دعم الزراعة دون معالجة الاختلالات في القطاع، وخاصة الاختلالات التسويقية والإنتاجية وغيرها من قضايا يعاني منها المزارع، وتدفعه دفعا لترك القطاع والتوجه للعمل في قطاعات اخرى.
نعم من حقنا ان نستمع لبرامج انتخابية تتحدث عن الأردن الحديث، الأردن الذي نريده جميعا والذي وضحته الرؤية الملكية من خلال الأوراق النقاشية، أردن لا يوجد فيه مكان لواسطة او محسوبية، أردن للجميع يؤسس للمواطنة والعدالة وسيادة القانون، أردن يعتمد على ادارة عامة ناجحة وتنمية بشرية حديثة، بحيث نصل إلى فكرة الحكومات الإلكترونية بشكل حقيقي وليس بالاسم فقط، أردن ندخل معه لعالم الاتصالات الحديثة، بحيث نحصل على ما نريده من معاملات من خلال حكومة إلكترونية، بحيث لا نحتاج لمراجعات او اصطفاف على الدور.
ولهذا، فإننا نحتاج لبرامج انتخابية تعالج كل الشوائب التي تظهر في القوانين سارية المفعول، وتؤسس لفكر ديمقراطي حقيقي، واقعي يبعدنا عن اي تدخلات او إملاءات، برامج انتخابية تناقش وضعنا الاقتصادي والمديونية وتؤمن لنا الانفكاك من صندوق النقد الدولي بشكل مدروس ومنهجي، اذ لا يكفي الاعتماد على نقد السياسات الاقتصادية وانما نحن بحاجة لرؤى جديدة تخرجنا من إملاءات الصندوق الدولي وتضع لنا ثوابت اقتصادية نتخلص من خلالها من الديون وخدمات الدين وخلافه ، والاعتماد على المشاريع الصغيرة وغيرها من الاقتصاديات الجاذبة.
نحتاج لبرامج انتخابية لا تتحدث عن محاربة الفساد وكفى، وانما برامج حقيقية تكشف الفاسدين والمفسدين ومحاربة الفساد الصغير والكبير معا، وهذا لا يمكن الوصول اليه دون حاكمية رشيدة وشفافية وإفصاحات مالية تتوافق مع المعايير العالمية:
نحتاج لبرامج انتخابية تعالج اختلالات واقعنا الإداري المثقل بالمشاكل والأعباء، وتضع مقترحات لمعالجته من خلال ترشيق الجهاز الإداري وتخفيض فاتورة التقاعد وتخفيض الاعباء الإدارية المتصاعدة دون ان ينعكس ذلك على زيادة نسبة البطالة بين صفوف الشباب، برامج تضع خطط واضحة، واقعية للتشغيل والتعامل مع بؤر الفقر بشكل حقيقي بعيدا عن الشعارات الخطابية والورقية.
ولهذا نريد برامج انتخابية تعزيز دولة المؤسسات والقانون والعدالة والمواطنة والحداثة، بعيدا عن أي رؤية مناطقية ضيقة، واعادة النظر في كل القوانين الناظمة لرؤيتنا الإدارية والتحديثية بحيث نؤمن سيادة القانون وتفعيله على الجميع دون استثناء، ومغادرة مربع الاتكاء على المعونات.
الغد