الانتخابات .. اليوم التالي!
سلمان النقرش
14-07-2024 03:35 PM
ستون يوماً تفصلنا عن انتخابات مجلس النواب العشرون، وعشرون يوماً عن فترة ترشيح القوائم الحزبية والقوائم المحلية، ومع ذلك ما زالت اجتماعات “كرادلة" الأحزاب لم يخرج عنها دخانٌ، لا ابيض ولا اسود!
الكل يتوجس خيفة على وحدة حزبه ويرتجف من لحظة إعلان قائمة اسماء مرشحيه، والزعلانين اكثر من الراضين.. كيف لا ونحن ورثه قوانين "العب وحدك" وعلى مدار ثلاثة عقود من "الصوت الواحد المجزوء" والذي عندما عدل للقائمة النسبية، بقى عالقاً فيه تشوهات ما قبله من ارث الفردية والحجب وشراء الذمم، وإلى آخره من سوءات قوانين وممارسات المئوية الأولى من عمر دولتنا.
المؤكد في نتائج الانتخابات القادمة ان هناك (٤١) من المرشحين على القوائم العامة (الحزبية)، و(۹۷) مرشحاً على القوائم المحلية سيفوزون بالمقاعد الـ (۱٣۸) التي ستفرغ بعد أیام من شاغليها.. فمن هم هؤلاء؟ وما هي قماشتهم وتوجهاتهم وبرامجهم؟ ووو ...
سأترك أمر المحليات لأهل المحليات الأدرى بشعابها.. وتعالوا نتفحص ما هو جديد في انتخابات ٢٠٢٤، وهو ما تتركز علیه اعين المراقبين والراصدين لتطور التجربة السياسية البرلمانية والجوهري في مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية الا وهو نسبة الـ ٣٠٪ من مقاعد المجلس النيابي المخصصة للأحزاب.
فكما هو معلوم، هناك (٣۸) حزباً مرخصاً، والمقاعد المخصصة كما قلنا (٤١)، فلو ركبت هذه الأحزاب رأسها ونزلت فرادى، وعلى فرض ان كل قوائمها اجتازت " العتبة "، فحصة الحزب الواحد قرابة المقعد الواحد ... و(كأنك يا ابو زيد ما غزيت)، وهذا مثل مجازي يبين مدى هزالة الخيار الفردي لقائمة كل حزب وعبثيه النتيجة المرعبة للمشهد.
لذا لا بد من الذهاب للائتلافات بين الاحزاب المتشابهة، ولا بد من تجرع "مر" التحالفات والتفاهمات، التي لم تتعود عليها احزابنا المفتونه بفرديتها وفرادتها، المأخوذة عن الزهو الفارغ للشيخة وللزعامة "الملهمة" التي ورثناها من الزمن العثماني البائد ...
بإختصار: الاتجاهات الكبرى السياسية والفكرية لمجتمعنا، ولكل مجتمع آخر، تتلخص في ثلاث دوائر كبرى متقاطعة: اليمين والوسط واليسار، ويشتق من تقاطع تلك الدوائر اتجاهين آخرين: وسط- يمين ووسط- يسار، تدنو احياناً من مركز الدائرة وتبتعد احيانا، تتفق احياناً في البعيد الإستراتيجي وتختلف في اليومي والتكتيك .. لكنها تتجمع حول المثل العليا وفي الملمات.
ماذا يعني ذلك..؟
في اليمين يتجمع رافعي الخطاب الأصولي الديني، المتزمت منه والمستنير، وإلى جانبهم، وبنفس دائرتهم، يمين الموالاة البيروقراطي والمحافظون القدامى والجدد، ممن تحالفوا سابقاً في فترات "العتمة" العرفية، واخذوا راحتهم في تجريف الحياة السياسية طوال المئوية الاولى من عمر الدولة!
في الوسط يتجمع فئات من الطبقة الوسطى المتعلمة، ذات الاستقلال الاقتصادي وميسرو الحال والملاك العقاريين ممن استفادوا من منجزات الحداثة والتطور الاقتصادي والاجتماعي في النصف الثاني للمئوية.
في اليسار تتجمع فئات العمال والشغيلة وصغار الكسبة والموظفين الصغار والمتقاعدين ذوو الدرجات والرتب الدنيا من مدنيين وعسكريين، ممن يرفعون الخطاب الطبقي، ومعهم كل الفئات المهمشة، التي لم تنل حظها من التنمية ومكتسباتها وتفتقد للحمايات الاجتماعية وتكافؤ الفرص.
بالطبع في حركة المجتمع، التي عادةً ما تكون منسابة ومرنة ومتداخلة، بحيث تتقاطع تموضعات الفئات المختلفة من يمين ووسط ويسار في تعبيراتها السياسية والحزبية، فهناك إزاحات واصطفافات باتجاه يمين – وسط، وآخرى يسار– وسط، ولهؤلاء تعبيراتهم وبرامجهم السياسية التي تغطي المسافات البينية في ثالوث الدوائر الكبرى وتمنع احتكاكها وتصوغ بمرونتها وتسوياتها أسس السلم الاجتماعي واللُحمة الوطنية بين المكونات المختلفة للمجتمع.
اذن، نحن امام ثلاث كتل كبرى، ويضاف لها كتلتين، ضاقتا ذرعاً بتمركز شقيقاتها الثلاث الأخرى، وإذا أردنا ترجمة ذلك بلغة الانتخابات، فسنكون امام خمسة قوائم، وربما اكثر قليلاً، معقولة ووازنة وذات برامج وعناوين واضحة، تسهل على الناخب المفاضلة بينها والتصويت لها، بناءً على قدرتها في التعبير عن حاجاته الاساسية وآماله العراض في عبور هذه المرحلة الأولى من التحديث السياسي، لتكون حافزاً له وللأجيال القادمة في بناء حياة برلمانية حزبية بإمتياز..
فهل نستطيع ...؟ نعم، ومعنا الكل الوطني... نستطيع!