قبل أيام ، قمت بجولة على مكتبات وأكشاك وأرصفة مدينة عمان بحثا عن كتاب معين ... فشاهدت كتباً " ذات طباعة فاخرة ومزينة بأغلفة ملونة وجذابة . وهي ينطبق عليها المثل القائل (( من برا رخام ومن جوا صخام).
وكانت العناوين هي الأخرى من مستوى خمس نجوم .... مثل (( مفتاح الكنوز ، وتسخير الجان )) و ((آداب دخول الحمام )) أو (( كيف تعاشرها )) و (( ليلة العمر )) و (( برجك اليوم )) و (( شهرزاد )) و (( النهضة )) و (( زهرة الخليج )). طبعا " باستثناء بعض الجرائد والمجلات التي أعرفها. وجدت أن أكثر من 90% من تلك الكتب والمجلات تتعلق بالجنس بالدرجة الأولى ، وتأتي بعد ذلك بنسب متفاوتة اهتمامات العرب الأخرى ، كالسحر والشعوذة ، والطبخ ، وأزياء النساء ، وأدوات العطور والتجميل ،... الخ .
هذا الأمر إن دل على شيء فإنما يدل على شيوع ( ثقافة التجهيل ) والإفلاس الفكري - ( ثقافة الفكر الإيديولوجي ) وفكرة المؤمراة - والعولمة التي أرادتها لنا أمريكا والغرب والصهيونية ... للوصول إلى جيل مهمش لايبحث سوى عن الجنس ، والطعام الدسم ، والكاسيات وأشرطة ال(CD ) الخلاعية والأغاني التافهة ، والخرافات.
وأثناء جولتي قفزت إلى ذهني حزمة من التساؤلات منها :
- من أين يبدأ التمثيل الحقيقي للابداع الفكري وأنوار العقل ...؟ وكيف يمكن لنا قتل فيروس الماضي الذ ي ينخر في جسم الإنسان العربي ؟
- وكيف يمكن لنا أن نتخلص من الفكر ( الإيديولوجي ) وفكرة المؤمراة ، ومتى سيكون ( الجنس ) أمراً طبيعياً والمرأة مخلوقة من البشر شريكة للرجل ؟ متى سيكون ذلك طبيعياً " في نظر الإنسان العربي ، ومتى سنفصح عن جذوات يقيننا ، الإبداعية والفكرية المترسبة في وجداننا وعقولنا ؟ ومتى سنفصح عن نية الإنجاز لجميع طموحاتنا ومشاريعنا الثقافية المتعثرة بين هذا الركام الهائل من السخافات والنزوات والخلافات والشهوات ؟
تلك هي بعض التساؤلات التي بدت تلح علي و أنا أجوب الأماكن بحثاً " عن كتاب مفيد ، وقبل أن أغادر أخذت أقلب احدى المجلات الخالية تماماً من أية متعة ، عدا متعة الجسد التي تلهي أكثر مما تمتع ، نعم إنها تحوي أشكال وألوان الصور الفاتنة والآسرة والمتردية والنطيحة ، جمال آسر ، وانفتاح سافر ، إلا أنها أصبحت مجرد سلعة لا أكثر . ومايهم هنا أنه لايوجد فرق بين تلك المجلات التي صدرت اليوم قبل خمس سنوات ، فجميعها تبحر في نفس الاتجاه ، ولاجدير يذكر ، فقط إعلانات تجارية لمختلف الأصناف من (( أحمر الشفاه )) (( إلى الساعة )) التي تزن ربع طن ، إلى (( المسكنات )) و((المدهنات )) و(المرطبات )) و(( المسمنات )) و (( المنحفات )) و.....
وأثناء وقوفي عند احد أكشاك الكتب, توقفت امرأة أجنبية برهة تنظر في العناوين المعروضة أمامها ، سارع ذلك البائع إلى أخذ أكثر العناوين إثارة ( للجنس ) وأعطاه لتلك المرأة الأجنبية . والتي صادف أنها تقرأ العربية بطلاقة ، وما إن قرأت ذلك العنوان الفاضح انفجرت ضحكاً " فيه من البراءة والشفقة مايكفي لاستعياب مجلدات بكاملها ، تلك السيدة قرأت - طبعاً " مع قراءتها للعنوان ، طريقة تفكيرنا وماهي عليه اهتماماتنا )) ، وهذا الموقف أضحك الجميع واضحك الضحك ذاته من سذاجة بعضنا ومدى حدود تفكيرنا .