قبل ان ينهي القرن الحادي والعشرين ربعه الاول، تشهد البشرية والانسانية مذبحة مروعة في قطاع غزة بحق الشعب الفلسطيني هناك، تنفذها الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا والمانيا وفرنسا واسرائيل، في عدوان عسكري يأخذ شكل الابادة الجماعية الشاملة، تشمل البشر والشجر والحجر، لا تبقي ولا تذر، حتى اصبح قطاع غزة بكل مكوناته عبارة عن حطام وركام ينتشر ويتكدس على امتداد مساحتة البالغة 365 كيلومترا مربعا.
حرب الابادة الشاملة التي تشنها الدول المذكورة على قطاع غزة، التي دخلت شهرها العاشر، تحصد ارواح مليوني ونصف المليون فلسطيني، دون رحمة ودون تمييز بين مدني ومقاوم، او طفل وشاب او رجل وامرأة وكبير سن، لا اخلاق ولا قواعد ولا قوانين مرعية في هذه الحرب، الاكثر دموية وبشاعة واجراما في تاريخ البشرية.
قتل العدوان الخماسي على قطاع غزة حتى اليوم حوالي 39 الف شهيدا فلسطينيا غالبيتهم المطلقة من النساء والاطفال وكبار السن، وجرح حوالي 90 الف مواطنا فلسطينيا، وهناك اكثر من عشرين الف مفقود وربما يتضاعف هذا العدد عدة مرات في الاسابيع والاشهر القادمة، الى جانب اكثر من عشرة الاف معتقل لم يعرف مصيرهم حتى الان.
المذبحة التي يرتكبها العدوان الخماسي على قطاع غزة للشهر العاشر على التوالي، تتم على مرأى ومسمع العالم بأسره، ولا يحرك ساكنا، واهم ما يميز هذا العدوان، اضافة الى انه يسجل المذبحة الاكبر والاخطر في القرن الحادي والعشرين، حالات التواطؤ والخذلان والخيانات، والتعاون مع العدوان في مختلف المجالات من قبل العديد من الدول.
لم يترك العدوان صنفا من صنوف العذاب والقتل، الا استخدمه ضد نساء واطفال وشيوخ قطاع غزة، ولا شكلا من اشكال وانواع التنكيل والاذلال والعقاب الجماعي الا جربه على ابناء القطاع.
هذه الحرب فريدة من نوعها، فهي اولا ابادة جماعية شاملة، على اضيق مساحة وساحة حرب يعرفها التاريخ، واكثر حرب دموية واجرامية، والمساحة التي تتلقى اكبر كميات من المتفجرات والصواريخ والقنابل الضخمة المدمرة في التاريخ، وهي الحرب الاكثر بشاعة وفظاعة من حيث الاجرام والارهاب الذي يمارسه العدوان.
ويوازي حرب الابادة الشاملة، حصارا مطبقا على قطاع غزة يمنع ادخال الغذاء والدواء والماء والوقود والاكسجين، وغير ذلك من متطلبات الحياة الاخرى.
من الطبيعي ان ينتج عن كل حرب مسار تفاوضي لوقفها، لكن المفاوضات التي تجري من اجل وقف العدوان على قطاع غزة مختلفة عن غيرها، فهي تدور بين اقوى دول العالم عسكريا واقتصاديا ونفوذا سياسيا، وبين قطاع غزة الذي تستفرد بابادته دول العدوان الخمس الى جانب مرتزقة من اكثر من ثلاثين دولة في العالم.
نتائج المفاوضات حتى الان صفر، لان نتنياهو يرفض التوصل الى اتفاق، ويعطل كل الجهود والوساطات المبذولة من اجل الاتفاق، ويضع شروطا مفادها استسلام المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني، دون قيد او شرط.
وبدأت خيوط لعبة التفاوض تتكشف شيئا فشيئا، فهي لعبة ثلاثية يتقاسم ادوارها نتنياهو وبايدن وقادة امنيين وعسكريين اسرائيليين، مع الاشارة الى ان بايدن يتعامل مع مفاوضات صفقة التبادل ووقف الحرب، كما يتعامل مع مبدأ حل الدولتين، الذي يتغنى به دائما.
نتياهو يراهن على الوقت والحسم العسكري ان استطاع، ومن اجل تحقيق ذلك يعمل على اطالة امد الحرب، مع استمرار اطباق الحصار على قطاع غزة حتى يلفظ الناس نفسهم الاخير جوعا وعطشا ومرضا، فهو يعتقد انه سوف ينتصر، من خلال مواصلة الحرب واستمرار الحصار الشامل، وهو يطبقهما معا على قطاع غزة.
انقاذ ما تبقى من قطاع غزة، اولا مسؤولية محور المقاومة، وثانيا مسؤولية عربية اسلامية دولية.
اهم نتائج ومخرجات الحرب على غزة، انها اكدت ان وجود الاحتلال لم يعد مضمونا ولا امرا واقعا، وان اسرائيل هزمت هزيمة نكراء، وان الهزيمة والمتغيرات تجاوزت حدود فلسطين والشرق الاوسط، واستطاعت زعزعة جذور اسرائيل العالمية، التي تسيطر على المال والاعلام والقانون في العالم.