مؤتمر شنغهاي والتعددية القطبية
د. محمد بزبز الحياري
11-07-2024 02:52 PM
عقد مؤخرا في العاصمة الكازاخستانية استانا مؤتمر شنغهاي، واهم ما دار بالمؤتمر هو اعلان الرئيس بوتين عن ولادة نظام عالمي جديد متعدد الاقطاب.
مؤتمر شنغهاي منبثق عن منظمة شنغهاي للتعاون السياسي والاقتصادي والامني(SCO)، والتي تأسست عام ٢٠٠١ على ايدي قادة ست دول ( روسيا الصين قرقيزستان طاجكستان قازاكستان اوزبكستان) ثم مالبث ان انضم اليها الهند والباكستان وايران بكامل العضوية ، ومصر والسعودية وقطر كشركاء حوار فقط، وتم رفض ملف الجزائر.
عودة لتصريح بوتين حول تعددية الاقطاب ، فقد حمل هذا الرجل ومنذ استلامه الحكم عام ٢٠٠٠ مشروعا كبيرا وخلًاقا يتمثل باعادة روسيا كدولة عظمى ولاعب اساس على الساحة الدولية ندا للولايات المتحدة الامريكية ، ليحل محل الاتحاد السوفييتي المنهار عام ٩١، وفي سبيل ذلك حاول جاهدا خلق اصطفافات خلفه، وما هذه المنظمة والتوسع الحذر والمدروس لها ، ومؤتمرها السنوي إلا احد ادواته لتنفيذ هذا المشروع.
كثيرة هي الخطوات( واحيانا المغامرات ) التي كان يقوم بها بوتين رجل روسيا القوي وذا الشخصية الكاريزماتيه الآسرة، للمضي قدما بهذا المشروع وكان يختبر مدى نجاح هذا المشروع على فترات،وآخر اختبار كان حربه على اوكرانيا، ولكن حساب القرايا ليس كمثل حساب السرايا فقد اكتشف ان حلفائه( خصوصا الصين) لهم حساباتهم الخاصة وبالتالي مشاريعهم الخاصة التي قد تتعارض والمشروع الروسي حتى لو كانوا شركاء بمنظمة واحدة هذا من جهة، من جهة اخرى ، اكتشف متأخرا ان الاصطفاف الغربي بقيادة امريكا والداعم لاوكرانيا ما زال متماسكا ويصعب اختراقه ،وبمغامرته التي لم يحسب لها بدقة ، نجده قد غرق ومنذ سنة ونصف بمستنقع اوكرانيا( رأس حربة الغرب) وغير قادر على انتشال نفسه منه وحفظ ماء وجهه، في الوقت الذي لم يكن يُخمن وقتا لانهاء هذه المهمة سوى ايام قليلة او شهر على ابعد تقدير.
السؤال الذي يطرح نفسه الان وبقوة ، فبرغم الاخفاقات المتعددة التي مر بها هذا المشروع، لماذا يصرح بوتين وبهذا التوقيت، عن ولادة نظام عالمي جديد متعدد الاقطاب؟؟
للاجابة على هذا السؤال ،ننتقل الى دوائر القرار الغربي وامريكيا بالذات حيال هذا الموضوع.
امريكا من ناحية عملية ، ترى ان الاحادية القطبية التي تنعم بها لاكثر من ثلاثين عاما ، هي حتما حالة مؤقته، وكسياق تاريخي فلا تلبث ان تنتهي هذه الفترة وان طالت، فالتعددية القطبية هي الاصل على مر التاريخ والاحادية هي الاستثناء ،وعليه فهناك مدرستين سياسيتين للتعامل مع هذا الواقع ، احدهما تقول ان نطيل فترة الاحادية القطبية ما امكن ونستغلها بكل السبل ، وهذه يتبناها الحزب الديمقراطي بزعامة بايدن ، والاخرى تقول ان نعترف بهذه التعددية القادمة لا محالة، وان نحتوي عملية خروجها لحيز الوجود بمعرفتنا وحسب رؤيتنا، ومحاولة تحجيمها والسيطرة عليها قدر المستطاع قبل ولادتها وهذه يمثلها الحزب الجمهوري العائد بقوة للحكم بزعامة ترمب،
ولاسباب يضيق المقام عن الخوض بها في هذا المقال ويعرفها بوتين جيدا، تفضل امريكيا ان يكون القطب الآخر هو روسيا عوضا عن الصين، والتقارب البوتيني الترامبي الذي تجلت صورته طيلة فترة حكم ترامب وبحملاته الانتخابية الثلاث ، هو ما أهل بوتين ليتوقع فوز ترامب وبالتالي دعاه لاطلاق هذا التصريح وبهذا التوقيت بالذات متزامنا مع حملة ترامب الانتخابية.
السؤال الآخر، ما هي ملامح النظام العالمي الجديد ثنائي القطبية ضمن هذه التفاهمات؟
بالنظر لمقررات المؤتمر وما يدور على الساحة الدولية ، تتمثل الملامح بمنظومة عمل سياسية يقوم اساسها على الصناعة المعرفية ضمن مرجعيات امنية وعسكرية وتذهب تجاه آفاق اوسع من العمل المشترك القائم اساسا على الصناعة المعرفية والذكاء الاصطناعي والعالم الافتراضي، وفي هذا السياق نجد ان مؤتمر شنقهاي دعا في بيانه الختامي الى عدم " عسكرة الفضاء " والالتزام الصارم بقواعد الحد من تطوير الاسلحة البيولوجية والسمية، وضرورة القيام بإصلاح شامل للامم المتحدة من اجل بسط سلطتها وفرض هيبتها واستقلالها.
اما السؤال الاكثرالحاحا والذي يدور بأذهانكم الان ،اين موقع ودور العالم العربي في هذا النظام؟ سنفرد له مقالا آخر ، ولا اظن هذا المقال سيزيد عن سطر واحد فقط.