من يقرأ تصريحات رئيس الوزراء معروف البخيت يحسبها للجنرال خالد نزار عشية الدور الثاني في الانتخابات الجزائرية عندما تأكد أن الجبهة الإسلامية للإنقاذ على وشك اكتساح مقاعد مجلس النواب الجزائري . ومهما قلبت الاحتمالات لا يمكن أن تفهم ورود مفردات " التفجير" و" القيادات الطارئة " و" نهر البارد" في ظل انسحاب 33 مرشحا من أصل نحو ألف في انتخابات تظهر أرقامها على ذمة الحكومة أنها الأعلى مشاركة في تاريخ البلاد منذ أعلن عن تأسيس الإمارة . مع العلم أن الحركة الإسلامية في الأردن اكتسحت انتخابات 1989 وكان خطابها راديكاليا مقارنة بخطابها اليوم ولم تصدر تصريحات "تفجيرية "، يومها التزم رئيس الوزراء مضر بدران بالشروط الثلاثة عشر التي وضعها الإخوان المسلمون ومن بينها " السعي نحو تطبيق الشريعة الإسلامية " ونال الثقة دون أن يشارك الإخوان ومن ثم أدخلهم في التعديل . لا مقارنة بين اكتساح حقيقي للسلطة التشريعية وبين ترشيح أقل من واحد في المئة من المرشحين في انتخابات بلدية .
حتى موضوع مشاركة القوات المسلحة في الانتخابات سبق أن تحدث فيه الإخوان وبنفس الحدة في انتخابات بلدية الزرقاء عام 1995 ، وكانت الأجواء يومها أكثر سخونة ومعاهدة السلام بالكاد جف حبرها . وبعدها ارتفع سقف خطاب الإخوان إلى درجة مقاطعة انتخابات 1997 ومع ذلك ظلت لغة الرسميين في التعامل معهم هادئة ومحاورة .
وفي حكومة البخيت نفسها بلغ التصعيد أوجه في تقديم النواب التعزية بالزرقاوي ، وبعد الحكم على النائبين أبو فارس وابو سكر ظل ثمة لغة معقولة في الخصام والصدام . أما مقابلة الرئيس مع وكالة الأنباء الأردنية غداة الانتخابات فهي بحق غير مسبوقة لا في شكلها ولا في مضمونها .
لا أدري كيف يربط بين فتح الإسلام في مخيم نهر البارد وبين الإخوان المسلمين ؟ للتذكير الأحداث تفجرت بعد أن ذبح خمسة وعشرين عسكريا لبنانيا آمنين ، وبعد شهور ثلاثة لم يحسم الجيش اللبناني المعركة مع تنظيم أممي فيه السعودي والعراقي واللبناني إلى جوار الفلسطيني . وحتى بعد المجزرة بحق العسكريين ظل باب الحوار مفتوحا مع فتح الإسلام ولم يغلق إلى بعد أن احتدمت المواجهة العسكرية . هل ذبح الإخوان في أوج مواجهاتهم مع الدولة دجاجة ؟
أما الربط مع حماس فهو منطقي ، ولكن الدروس المستفادة غير التي خرجت بها المقابلة . حماس امتداد للإخوان والإخوان امتداد لحماس ، لكن هل الدولة الأردنية امتداد للسلطة الدحلانية ؟ معيب أن نقارن الشراكة الوطنية التاريخية بين الإخوان والنظام بالعلاقة بين حركة مقاومة وجهاز أمني تبخر في ساعتين . في غزة لا توجد دولة توجد " ساحة " فريق يراها ساحة مقاومة وصولا للتحرير وفريق يراها ساحة مفاوضة وصولا للدولة .
والصدام بين فتح وحماس في غزة يحصل مع كل حركات التحرير ، وقد حصل بين فصائل منظمة التحرير أكثر منه في لبنان . وحماس لم تصل للسلطة بانقلاب وإنما بانتخابات أجمع العالم على نزاهتها . وهي تقول أنها ستتخلى عن السلطة في حال خسارتها الانتخابات التي يفترض أن تجري بعد ثلاث سنوات . وهي اليوم بعد إحكام السيطرة على غزة حققت أمنا كان غائبا في ظل الدحلانية . هنا الحديث عن حركة مقاومة وأرض محتلة .
ملفت أن المقارنة التي غابت عن حديث الرئيس هي التجربة التركية التي قادت الإسلاميين من البلديات إلى الحكومة .في تركيا صراع عنيف على الهوية ، والدولة تخوض معركة يومية مع المتمردين الأكراد .والجيش التركي يستعد للتوغل في شمال العراق . مع ذلك تجري انتخابات نزيهة . ويفوز مرشحين حتى من أنصار حزب العمال الكردستاني بشكل مستقلين .
لا داعي للنهر البارد ولا لفتح وحماس ولا لتركيا ، الحكومة من حقها أن تعلن الأحكام العرفية وتعطل الدستور إذا تعرضت البلاد للخطر ، لكن ليس من حقها أن تتدخل في الانتخابات .وإذا كانت الانتخابات النيابية ستجري بالطريقة ذاتها التي جرت فيها الانتخابات البلدية فالأقل ضررا عدم إجراء الانتخابات . فإذا كانت البلديات أوصلتنا للنهر البارد فإلى أين ستوصلنا الانتخابات النيابية .
abuhilala@yahoo.com