هل يجوز الدفاع عن الفاسدين؟
حسين الرواشدة
27-04-2011 03:44 AM
هل يجوز للمحامي ان يتطوع او يتحمس للدفاع عن متهم بالفساد، خاصة إذا كان يدرك تماما ان التهمة حقيقية لا كيد فيها ولا تلفيق؟
هذا السؤال خطر الى بالي وانا اتابع فصول الملفات التي احيلت الى هيئة مكافحة الفساد، وهو موسم يزداد فيه الطلب على كبار المحامين وتكثر فيه العروض لقبول الدعاوى التي يسعى فيها الموكلون لتبرئة انفسهم امام القانون.. لكن ما اغراني على طرحه هو السجال الذي يدور الان في مصر حول الموضوع ذاته، فقد تساءل احدهم: هل يجوز للمحامي ان يدافع عن اعداء الشعب؟ ثم ما هي انواع القضايا التي يفترض ان يمتنع المحامي اخلاقيا عن الترافع فيها؟ وكيف يمكن للمحامي ان يبرر دفاعه عن قضايا تمس اخلاق المجتمع مثل نهب المال العام او قتل الناس او اغتصاب حقوقهم؟
اعرف، على تواضع معلوماتي القانونية، ان المتهم بريء حتى تثبت ادانته، واعرف ايضا ان من حق المتهم ان يجد من يدافع عنه امام المحكمة، وحتى لو تعذر ذلك فان المحكمة تعمد في بعض القضايا الى تعيين محام للدفاع عنه على نفقة الدولة، واعرف - ثالثا - انه لا مانع قانونيا من ان يدافع المحامي عن اي متهم، حتى لو كان علم منه بجريمته على وجه اليقين، لكن ما اقصده هنا يتعلق بمسألتين اثنتين: احداهما لها علاقة بقيم المحاماة واخلاقها، وباعتبارها رسالة قبل ان تكون مهنة، وهذا بالطبع يفرض على المحامي اعتبارات عديدة، اهمها الانتصار للحق، وعدم الدفاع عن الباطل والانحياز للمصلحة العامة والاحتكام الى الضمير هذا اذا كان الحق واضحا لا شبهة فيه والفساد بيّن لا مجال للدفاع عنه والمتهم مكشوف امام الناس بافعاله المثيرة للاشتباه.
اما المسألة الثانية فتتعلق بصنف محدد من المحامين المحسوبين على خط الرمزية هؤلاء لهم في ذاكرة الناس مكانة خاصة، وبمجرد قبولهم بالدفاع عن قضية تمس اخلاق المجتمع او قيمه فان الرسالة التي تصل للناس ستكون ملتبسة، وسواء فهمت لحساب المتهم بمعنى انه لا يمكن للمحامي الرمز ان يقبل الدفاع عنه الا لانه بريء او فهمت على حساب الطرف المدافع من جهة تجريح موقفه، فان سؤال الدفاع يبقى ملتبسا ايضا حتى وان تم تبريره قانونيا، واجابته الوحيدة سوء الظن بالطرفين معا.
ومع ذلك اترك الاجابة لفقهاء القانون، فهم الادرى والاعلم بها، لكن لدي ملاحظة وهي ان مجتمعنا في العقود الماضية كان يتعامل مع القيم التي تسيىء الى سمعته وتمس اخلاقه ومع اصحابها من الشطار والانتهازيين ايضا بمنطق النبذ والمقاطة وعدم الاحترام، حتى انني ما زالت اذكر بان اي شخص يتهم بقضية سرقة وتثبت عليه لا يجد في البلد من يسلم عليه لكن للاسف تبدل هذا المنطق، فلم تعد هذا القيم السيئة تثير اشمئزاز الناس ولا تدفع الكثيرين منا الى نبذ اصحابها بل ان هؤلاء يحظون اليوم باحترام الكثيرين ويتبوأون صدر المجالس والولائم.
وتلك بالطبع من «عموم البلوى» التي اصابت مجتمعاتنا لا تسأل عن الاسباب، لكن ذلك لا يعني التسليم بها او قبولها، فاقل ما يمكن ان نفعله هو ان ننتصر لمنطق الرسالة والقيمة قبل ان ننحاز لمفهوم الوظيفة والمهنة، وان ندافع عن الحق ونزدري الباطل حتى لو كان بكلمة او موقف او بالصمت اذا تعذر الفعل وذلك اضعف الايمان.
الدستور