اعتبر البعض ان الحديث عن الاقتصاد الوطني والظروف الراهنة التي يمر بها بصورة قاتمة ومتشائمة امر مبالغ فيه, على اعتبار ان الاردن طالما شهد ظروفا مماثلة وخرج منها سليما.

في اعتقادي ان الحديث المبسط عن تداعيات الازمة على الاقتصاد الاردني والتعامل معها على اعتبار انها ازمة عابرة فيه "سذاجة" اقتصادية مبنية على الفكر القائم على ترحيل الازمات لا حلها.

بغض النظر عن الازمة المالية العالمية وتداعياتها, الاقتصاد الاردني يعاني من اختلالات مزمنة لم تقم أية حكومة بحلها, والسياسة التي اتبعت بعد ازمة الدينار سنة 1989 استندت أساسا على بيع موجودات الدولة تحت مظلة برنامج التخاصية وزيادة اعتماد الخزينة على الضرائب في الوقت الذي لم تعد هناك أية ادوات استثمارية رسمية تدر عائدا على الخزينة التي انحسرت مواردها في النهاية بالضرائب والمساعدات التي يتباين حجمها من عام لآخر حسب معطيات الوضع السياسي.

الاختلالات السابقة والتشوهات المزمنة في الاقتصاد المتمثلة أساسا بعجز كبير في الموازنة (11 بالمئة من الناتج الاجمالي) وعدم مقدرة الايرادات المحلية على تغطية كامل النفقات (78 بالمئة) ومديونية وصلت الى اعلى مستوياتها على الاطلاق (9.2 مليار دينار) ونمو اقتصادي لا ينعكس ايجابا على معيشة المواطنين (3-4 بالمئة مقابل 2.8 بالمئة نموا سكانيا), وقطاع عام يزاحم القطاع الخاص على التسهيلات والنشاط الاقتصادي ورغم كل ما حدث من تطورات اقتصادية محلية كان بحجة تعزيز اقتصاديات السوق, نجد في النهاية ان الحكومة ما زالت تدير اكثر من 56 بالمئة من الناتج المحلي, فأين مساهمة الخصخصة ونظريات اقتصاد السوق في تعزيز دور القطاع الخاص?

جميع الاختلالات السابقة بقيت على حالها ولم تتغير ابدا وكل ما حدث وتغير هو تبدل الاشخاص المسؤولين عن ادارة الاقتصاد, فكل واحد منهم يتحفنا بنظرياته التي لا تستند الى أية معرفة علمية ولا تدل على فهمهم لطبيعة المجتمع الاردني.

طبعا الاقتصاد الاردني مر بأزمات عديدة لكنها بالتأكيد ليست مشابهة لما هي عليه الآن وان كان ظاهر الازمة يشير الى غير ذلك.

في السابق, كان هناك فريق حكومي يتحرك لمواجهة الازمات, بغض النظر عن نتائج تحركه, كان الاقتصاد صغيرا والدولة مسيطرة على ادوات الانتاج الرئيسية وتمتلك الموارد التي تدر عليها دخلا مجزيا في حال احسن استغلالها وتوظيفها, وفي حال انقطاع المساعدات الخارجية او تراجعها تبقى نفقات الدولة تحت السيطرة بسبب قدرة الموازنة على تغطيتها بوساطة ايراداتها المحدودة, وفي النهاية لم تكن هناك مبالغات كالتي نشاهدها اليوم.

الغريب اليوم اننا نشاهد مسؤولين مستسلمين امام اعصار الازمة من جهة وغير مدركين لتداعياتها من جهة اخرى, والخطورة في الامر ان الدولة فقدت الكثير من مواردها الاستثمارية التي كان بإمكان الحكومة الاستعانة بها لسداد اي تراجع في الايرادات او المساعدات كما هو حاصل الآن.

أدرك ان هذا الكلام لا يعجب المسؤولين وطاقم الفريق الوزاري الاقتصادي, لانه يثبت مدى عجزهم عن ادارة الشأن العام, لكننا مجبرون على التعامل معهم لحين تبدل الامور, ولحينها يجب ان لا تبقى الامور تسير وفق شعار "سيري وعين الله ترعاك", ففي الحركة بركة.

salamah.darawi@gmail.com

(العرب اليوم)