عن التعددية القطبية والانتخابات الامريكية
خالد قشوع
10-07-2024 12:08 AM
لا يفاجئني كمراقب للحالة الامريكية من داخلها ما يحصل في المشهد السياسي الامريكي اليوم الذي تحول الى ما يشبه السيرك، فبين عجوز يحاول ان يستجمع قواه حتى يعطي جملة مفيدة، ومجرم مدان امام المحاكم الفيدرالية الامريكية يتحول الترقب الى خيبة امل، والحلم الامريكي الى كابوس مقيت، ومستقبل أممي تقوده الولايات المتحدة الى سراب في ظل معطيات لم تنفك ان تُطرح على المشهد الدولي تباعا.
إن ما يثير إستعجابي حقاً هو إندفاع بعض السياسيين والمثقفين العرب الى التخندق في حزام احد الحزبيين الأمريكيين مدافعين عن سياسيات احد المرشحين للرئاسة الاميركية، ومتهمين الأخر بعدم الصلاحية، وكأن خلاص قضايا المنطقة قد اصبح مرتبطاً بمصير هذه الانتخابات.مسقطين من حساباتهم ان مفتاح المنطقة لم يعد في يد الولايات المتحدة منذ سنوات وقد تم نسخه وتوزيع النسخ على عدة دول اصبحت تتشاطر تدريجيا التركه الامريكية في المنطقة، ولعل سوريا واليمن تكون امثلة واضحة لهؤلاء الساسة الذين لا يزالون يقبعون في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، مثلهم كمثل أتباع الشيوعية الذين كانوا يؤمنون ببعث لينين بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في مطلع تسعينات القرن المنصرم.
على اولئك الساسة ان يعلموا اننا اختبرنا كعرب عامة وكأردنيين خاصة كلا الرجلين في كرسي الرئاسة وقد كانت النتائج كارثية، فبين صفقة ترامب وابادة بادين دفع الاردن ثمنا باهظا سياسيا واقتصاديا ، فقد تم استنزاف المخزون السياسي الاستراتيجي الاردني لتثبيت الوضع الجيوسياسي القائم حينها ، مما جعلنا ندخل في حرب مكتومة داخل أروقة الكونغرس لكبح جماح ترامب. اما بايدن فأننا نرى ما يمارسه من فرض امر واقع بالسلاح في كل من أوكرانيا وغزة وكأنه يستعيد شبح فيتنام مستنفذ بذلك حلفائه كما يستنزف اقتصاد بلاده.
وسواء احببنا ام كرهنا رضينا ام رفضنا فقد انتهت أيام الهيمنة الامريكية على العالم وأصبح لبيت القرار الدولي أعمدة جديدة وقواعد لعب مختلفة، وإن كان التغير لم يحدث بشكل رسمي بعد فعلينا ان نوزع ما نملكه من بيض في سلات مختلفة دون كسره. وأن نتجنب الوقوع في فخ الجمود المصلحي في إطار تغير مصفوفة المنظومة الدولية، والتي يتم إعادة هندستها ضمن معادلات قوة مختلفة تُقسم العالم إلى أقطاب ومناطق نفوذ تابعة لكل قطب.
وفي ظل كل هذه التغيرات الجذرية في العالم والتي نعيش أحدثها اليوم، وسوف نشعر بنتائجها في المستقبل تكون الخيارات محدود والقرارات أكثر خطورة. ولكن لا يزال أمامنا بعض الوقت لصناعة أوراق ضغط عالمية يمكن لها أن تحافظ على مصالحنا الاستراتيجية، وأمننا القومي وربما الحصول على بعض المكاسب التي جرتها رياح الفوضى والحروب على المنطقة. ولكن تطبيق هذا النوع من الاستراتيجيات متوسطة المدى غزيرة الانتاج يتطلب رجال دولة استثنائيين لا يعرفون المستحيل ويؤمنون إيمانا مطلق بهذا الوطن مبتدأً وخبر.