منذ نحو 55 عاماً، وأنا اتجول في هذا الأردن الخلاب، وما ارتويت بعد، ولا أظنني سأرتوي من جماله وكماله !
ما أزال شغوفاً بكل أمكنته، خاصة البترا، التي تمثل عبقرية العربي، وقدرته على الصبر، والدأب، والإبداع.
ومحمية ضانا الأعجوبة الفريدة، وذيبان وذرى الموجب، حيث بطش الملك ميشع، الحميدي المؤابي الأردني، البطشَ الرهيب الأول بالعبرانيين الغزاة عام 840 قبل ميلاد السيد المسيح عليه الصلاة والسلام، وقبل البطش الرهيب الثاني بالغزاة العبرانيين الصهاينة، الذي قاده الملك الحسين بن طلال في معركة الكرامة المجيدة، ربيع 1968.
واتباهى بأنني أعرف «سقف السيل» ولا أعرف إسطنبول، وأعرف غور الصافي ولا أعرف دبي.
وأجد من حقي مناشدة إخوتي وأخواتي، الآباء والأمهات، أن يعرّفوا ابناءَهم على بلادهم الجميلة الخلابة. ذلك واجب وطني، وإن من يعرف وطنه أكثر يحبه أكثر.
أتدرون ما بلادنا ؟!
إنها الأرض التي رضي الله عنها وأحبها، وملأها بالتين والزيتون، وأقسم بهما، وعبأ كوايرها بالقمح والنوار والبذار.
بلادنا التي تتميز بفرح الحصادين، ووفرة الزيت، ومقاطف القطين، وخبز الطوابين، وحليب التين، وشوك الصبر، وحداء الرعيان وثغاء الطليان !!
بلادنا التي يغطي الندى رموشها، وتتدفق المزاريبُ بين يديها، ولا يتوقف فرح النواعير بجِرارها.
بلادنا ذات بير الطي، وعين شلحا، وعين سارة، وعين الجهير. بلادنا التي ليس كمائها ماء: مياه الحمامات السحرية التي تشفي العليل، في الزارة وماعين وعفرا والبربيطة وأم قيس.
بلادنا التي يعطرها نجيعُ جعفر بن أبي طالب، وعبدالله بن رواحة، وزيد بن حارثة. وتشرف بضريح أمين الأمة أبو عبيدة عامر بن الجراح، وضريح بلال بن رباح ومئات الأضرحة المباركة التي تكشف عنفوان أمتنا،
بلادنا سوريا الكبرى والعراق- سوراقيا، هي من علّم العالم الأبجدية، وسن شرائع حمورابي أول العدل. وفي بلادنا العظيمة تم تهجين القمح والخيل.
بلادنا قلب الكون ومركزه ومجرى الحياة، ومحور الخصب، ومجمّع الغزاة ومصارعهم المتكررة الثابتة الحتمية الأكيدة.
بلادنا الجميلة، بلاد الثلوج والمروج، الضاربة في العراقة والعتاقة.
هذه الحمى العربي، أشادته التضحيات، وحماه الله والرشد والشهداء.
الدستور