بين حرية التعبير والإساءة شعرة معاوية
بسمة العواملة
08-07-2024 12:25 AM
في كل مرة أتحدث بها عن ضمانة حرية التعبير، اجدني اعود الى مقالة لجلالة الملك حفظه الله، كانت قد نشرت لجلالته تحت عنوان ( منصات التواصل ام التناحر الاجتماعي) وذلك في تشرين اول من عام 2018، وقد اشار جلالته من خلال هذا المقال الهام الى بعض الظواهر الاجتماعية المقلقة على منصات التواصل الاجتماعي سواء اكانت بالتجريح ونشر الكراهية وبالذم والقدح، او استخدام المعلومات المضللة باسلوب يخلو من الحياء اللباقة في الحوار والنقاش ودون اي شعور بالمسؤولية الاخلاقية والاجتماعية، او الإلتزام بالقوانين التي وجدت لتكون رادعة لكل من يسيء استخدام هذه المنصات الإجتماعية.
حقيقة الامر لم يختلف الامر كثيراً في السنوات الاخيرة فيما يتعلق بمنصات التناحر الاجتماعي كما اطلق عليها سيد البلاد في ذلك الحين، فلا زال الكثيرون يخلطون ما بين حرية التعبير وبين الاساءة والتجريح بالاخرين، كذلك الحال بالنسبة لمطلقي الإشاعات والأخبار المضللة والكاذبة، مما تسبب للمواطنين وتوقع في نفسهم الريبة والارباك واحياناً التساؤل بسبب انتشار الأخبار المضللة الكاذبة والتي لا تمت للحقيقة بصلة.
منذ ذلك الحين ونتيجة لمطالبات عديدة بتنظيم التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعية تلك لوقف سيل الاساءات كان من الضرورة بمكان وضع تشريعات لضبط استخدامات هذه الوسائل بالاضافة الى منع انتشار الاخبار المضللة والكاذبة.
بالإضافة الى صون وحماية حرية التعبير ولحفظ حقوق المواطنين ومنع التحريض على الكراهية، فكان أن تم حديثاً اقرار قانون الجرائم الالكترونية، ولكون القانون حديث وكونه لاقى الكثير من الإنتقادات بعد أن تم اقراره واصبح قيد التنفيذ، ما كان من جلالته واستجابة لهذه الآراء،
وخلال لقائه لرئيس واعضاء مجلس امناء المركز الوطني لحقوق الانسان ونقيب الصحفيين، قبل ما يقرب العام من الآن حيث اعتبر جلالته خلال اللقاء من أن تطبيق قانون الجرائم الالكترونية سيكون هو العامل الاساسي والذي سيحسم مدى الحاجة الى مراجعة بعض بنوده ومواده، وبذات اللقاء نوه جلالته من أن مكافحة هذه الجريمة يجب أن لا يكون على حساب حق المواطن في التعبير عن رأيه بكل حرية ما دام هذا التعبير ضمن حدود التعبير والانتقاد البنّاء للسياسات العامة دون اساءة او تجريح لاي جهة كانت.
و قد اخذ المركز الوطني على عاتقه انذاك وبحكم ولايته وكونه مرجعية مستقلة تقوم بدورها في تعزيز ضمان حقوق الإنسان عن طريق رصد الحالة العامة لحقوق الانسان في الاردن، كان قد ابدى استعداده للقيام بما يسمى بتقييم الأثر التشريعي لقانون الجرائم الالكترونية،
بحيث يتم اعداد دراسة بهذا الأثر ومن ثم تقديم توصيات بذلك على أن يتم رفع هذه التوصيات للحكومة والسلطة التشريعية ومؤسسات المجتمع المدني، بهدف تجويد البيئة التشريعية، وفي حال وجد المركز أن هناك حاجة الى اجراء تعديلات على بنود او بعض مواد القانون التقدم بالتوصيات المناسبة فيما يتعلق بتلك التعديلات المقترحة بناء على دراسة الأثر.
وعلى الرغم من مرور العام على هذا اللقاء، لم نعلم هل تم الانتهاء من اعداد هذه الدراسة، ليتسنى للدولة الأردنية تضمين دراسة قياس الأثر للقانون والتعديلات الواجب اجراءها إن وجدت، لتضمينها في تقرير الأردن الذي سيقدم لاعتماده في تقرير الفريق المعني بالاستعراض الشامل الخاص بالاردن في مجلس حقوق الانسان خلال الشهر الجاري في جنيف
، في سياق التحضيرات التي يجري العمل عليها لتنفيذ التوصيات خلال الاعوام الخمس القادمة، خاصة في ظل قبول الاردن لثمان توصيات جديدة ضمن الاستعراض الدوري الشامل UPR ، ومن ضمن هذه التوصيات التي وافق الاردن على قبولها، التوصية المتعلقة بحماية حرية الرأي والتعبير، وذلك التزاماً بتعزيز منظومة حقوق الانسان في الأردن على المدى البعيد.
و التزاماً بهذه التوصية التي تستوجب مراجعة شاملة لقانون الجرائم الالكترونية، بحيث يتوائم مع ما جاء بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
نتطلع الى هذه الدراسة التي ستصدر عن المركز الوطني لحقوق الانسان، بعين الاهتمام والترقب الكبيرين، حتى تساهم تلك الدراسة في تعزيز قيم حقوق الانسان والديموقراطية، مما سينعكس بالايجاب على بث الطمأنينة لدى المواطنين للتعبير عن اراءهم دون خوف او فزع، وما لذلك من انعكاس ايجابي على ترتيب الاردن على مؤشر الحريات العامة وبالذات على ضمان حماية حرية الصحافة.
ولا ننسى بالاضافة الى ذلك التوجيهات الملكية السامية للحكومة الى ضرورة مراجعة ضمان الحق في المعلومة الصحيحة بشكل يسهم في التصدي للاشاعات والاخبار المضللة، وبحيث تكون هذه المعلومات في متناول المواطنين للمشاركة في الحوار الوطني حول المواضيع المفصلية لإتخاذ القرارات المدروسة تباعاً على ان تتمتع هذه المعلومات والحقائق بالمصداقية والشفافية وبحيث تكون موثوقة.
استناذاً الى ما بدأ به جلالته بكلمته في ذاك اللقاء من ان الدولة الاردنية لم ولن تكن يوماً دولةً تعسفية وتاريخنا يشهد بذلك.
الدستور