كثيرة هي الاحداث العظيمة التي حدثت في صدر الدعوة الاسلامية، فهناك ميلاده و بعثته صلى الله عليه وسلم. كما ان هناك الكثير من المعارك الفاصلة كبدر وفتح مكة، لكن اختيار المسلمين لحدث الهجرة ليكون اساسا للتقويم الاسلامي لم يكن حدثا عابرا، بل كان ادراكا عميقا منهم لمفصلية هدا الامر في التاريخ الاسلامي.
الحقيقة الكبرى ان الهجرة نقلت المسلمين من كونهم افرادا في مجتمع ليس لديهم تأثير فيه او سيطرة عليه، الى مجتمع أسس دولة لهم اليد العليا فيها، ونقلهم من حالة استهداف و استضعاف، الى حملة مشروع وتمكين لدين الاسلام.
ان الدولة التي نشأت في المدينة المنورة شكلت مركز اشعاع حضاري للعالم كله، وسجلت تسارعا في النمو والتوسع مالم يشهده دين سابق ولا دولة، لقد وصل الاسلام الى كل جزيرة العرب والى شمال أفريقيا وغرب اسيا في اقل من عشرين سنة في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وتغلب على أقوى إمبراطوريتين فارس والروم.
حال الامة اليوم ليس بحاجة الى توصيف او ندب، وما يجرى من استباحة لها لم يتوقف منذ ما يزيد على مائة واربعين عاما، ولن يتوقف ما دامت بعيدة عن شرع ربها وتنتشر فيها عوامل الفرقة والانقسام، ولن يتغير الحال ما دامت شعوبها ليست مرجعية الشرعية وليست صاحبة السيادة على قراراتها ومواردها.
ان قوة الدولة الاسلامية التي تأسست انها قامت على الشورى والعدل والوحدة وسيادة الحق والقانون والتكافل والتعاون والجهاد، ولكل قيمة من تلك القيم شواهد و قصص عظيمة في سيرته صلى الله عليه وسلم وسلوك الصحابة رضوان الله عليهم.
نقف اليوم في بداية العام ١٤٤٦ للهجرة وجراحاتنا في غزة وفلسطين والسودان وغيرها من الدول أكثر من تحتمل. وبلغ تعداد الشعوب المسلمة ( ولا اقول الامة الاسلامية) ما يزيد على مليار واربعمائة مليون نسمة، ولكننا غثاء كغثاء السيل. ما احوجنا في هذه الذكرى ان تستلهم الدروس والعبر وما اكثرها، وكم نحن معنيون بالتغلب على عوامل التخلف والفرقة وان نعظم المشتركات وان لا نستصغرن عملا في هذا المجال، فتراكم النتائج سيفضي الى خير ان شاء الله (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون.