أضحت التكنولوجيا في العصر الرقمي الحالي ركيزة أساسية في حياتنا اليومية، ابتداءً من الهواتف الذكية وصولًا إلى الحواسيب الشخصية والأجهزة اللوحية، ومع هذا الاستخدام المتزايد، برزت الحاجة الملحة لمفهوم جديد يُعرف بالرفاهية الرقمية، ويشير هذا المفهوم إلى تحقيق توازن صحي بين استخدام التكنولوجيا وصحة الفرد النفسية والجسدية والاجتماعية، ويهدف النهج المذكور إلى تعزيز حياتنا عبر توظيف التكنولوجيا بطرق تساهم في تحسين جودة الحياة دون المساس بصحتنا أو علاقاتنا الاجتماعية.

وضمن الاستخدام التكنولوجي، والحاجة الملحة برزت وسائل التواصل الاجتماعي والتي يمكن النظر إليها على أنها سيف ذو حدين. من جهة، تتيح التواصل مع الآخرين والمشاركة في مجتمعات إلكترونية مفيدة. ومن جهة أخرى، يمكن أن تؤدي إلى الشعور بالعزلة والقلق نتيجة المقارنات الاجتماعية والضغط المستمر للظهور بصورة مثالية.

ولكن ومع زيادة الاستخدام كان الإدمان إحدى أكبر التحديات، فالإدمان الرقمي يمكن أن يؤثر سلبًا على حياتنا اليومية، بما في ذلك العمل، والعلاقات الاجتماعية، والنوم، ومع التقدم التكنولوجي تزداد المخاوف حول الخصوصية والأمان الرقمي، ويمكن أن يؤدي القلق حول هذه المسائل إلى تأثيرات سلبية على الصحة النفسية، وبفضل التكنولوجيا أصبح من الممكن العمل من أي مكان وفي أي وقت، وهذا الأمر يخلق تحديًا في الفصل بين الحياة الشخصية والعملية، مما قد يؤدي إلى الإجهاد والإرهاق.

كما أن استخدام التكنولوجيا بشكل مفرط يمكن أن يؤدي إلى الشعور بالقلق، والتوتر، وحتى الاكتئاب، ويعاني الكثير من الناس من الضغط الناتج عن التواجد المستمر على الإنترنت، والتعرض لمعلومات وأخبار سلبية، وهنا تأتي أهمية الرفاهية الرقمية في توجيه الناس لاستخدام التكنولوجيا بطرق تساهم في تحسين حالتهم النفسية بدلاً من تدهورها، فالتكنولوجيا يمكن أن تكون أداة قوية لزيادة الإنتاجية إذا ما استخدمت بشكل صحيح، والرفاهية الرقمية تعني أيضًا تعلم كيفية استخدام الأدوات الرقمية بكفاءة لتحقيق أهدافنا العملية دون الوقوع في فخ التشتت والإلهاء، وفي عصر الشبكات الاجتماعية، أصبح من السهل التواصل مع الأصدقاء والعائلة في أي وقت، ومع ذلك يمكن أن يكون لهذا التواصل الدائم تأثيرات سلبية إذا لم يتم التحكم فيه، فالرفاهية الرقمية تتضمن بناء توازن بين التواصل الافتراضي والواقعي، لضمان أن علاقاتنا الاجتماعية الحقيقية لا تتضرر.

لذا من المهم تحديد أوقات محددة لاستخدام التكنولوجيا والالتزام بها، ويمكن استخدام تطبيقات خاصة تساعد في مراقبة وقت الشاشة وتقديم تقارير حول استخدام التطبيقات، والحفاظ على نشاط بدني منتظم يمكن أن يساعد في تحقيق التوازن بين الحياة الرقمية والحياة الحقيقية، والنشاط البدني يعزز الصحة العامة ويساهم في تقليل التوتر، كما أن التوعية حول مخاطر الاستخدام المفرط للتكنولوجيا وكيفية التعامل معها تعتبر خطوة مهمة نحو تحقيق الرفاهية الرقمية، ويمكن ذلك من خلال برامج تدريبية وورش عمل تتناول هذا الموضوع، كما أن البيئة الرقمية الصحية تعني تنظيم الأجهزة والتطبيقات بطرق تعزز الإنتاجية وتقلل من التشتت، ويمكن ذلك من خلال تنظيم الإشعارات، واستخدام تطبيقات إدارة الوقت، والتأكد من أن بيئة العمل الرقمي مريحة وخالية من الإلهاءات، وعلى الرغم من أهمية التكنولوجيا في التواصل، إلا أن التواصل وجهاً لوجه يبقى الأهم، ويجب الحرص على تخصيص وقت للقاءات الاجتماعية الحقيقية لتعزيز العلاقات الأسرية والاجتماعية.

وهناك العديد من التطبيقات التي تهدف إلى تحسين الصحة النفسية، مثل تطبيقات التأمل، وإدارة التوتر، وتطبيقات الدعم النفسي، واستخدام هذه التطبيقات يمكن أن يكون جزءً من الرفاهية الرقمية إذا ما استخدمت بشكل صحيح ومتوازن، كما أن أخذ فترات من الانقطاع الرقمي أو الديتوكس الرقمي يمكن أن يساعد في تقليل التوتر وتحسين الصحة النفسية، وهذا يمكن أن يكون من خلال تخصيص وقت معين في اليوم للابتعاد عن جميع الأجهزة الرقمية والتركيز على الأنشطة الواقعية مثل القراءة، والمشي، أو قضاء وقت مع العائلة والأصدقاء.