الرشاقة الحكومية دون الاستغناء عن الموظفين
صالح سليم الحموري
06-07-2024 11:28 AM
في عالم الأعمال المتسارع والمتغير، أصبحت الرشاقة المؤسسية عنصرًا حاسمًا لتحقيق النجاح والاستدامة. يشير مصطلح "الرشاقة المؤسسية" إلى قدرة المؤسسات على التكيف بسرعة وفاعلية مع التغييرات المفاجئة في بيئتها الداخلية والخارجية واقتناص الفرص.
يشمل ذلك الاستجابة السريعة للمتغيرات والتوجهات العالمية، التكنولوجيا، والموارد البشرية. ومع ذلك، هناك فهم خاطئ شائع بأن تحقيق الرشاقة المؤسسية يتطلب تقليص عدد الموظفين.
هذا المقال يهدف إلى توضيح أن الرشاقة المؤسسية تعتمد على إعادة الهيكلة والاستفادة الفعّالة من الموارد، بما في ذلك المورد البشري، بدلاً من الاستغناء عنه.
الرشاقة المؤسسية تعني قدرة المؤسسة على "استشراف المستقبل" و"الابتكار"، "التكيف"، "التعاون"، "والمرونة" الاستجابة السريعة للفرص والتحديات، و"السرعة" في اتخاذ القرار أو إجراء التغييرات المطلوبة.
يتطلب ذلك تحسين العمليات، تطوير الأدوات والخدمات الجديدة، وتعزيز التعاون بين الموظفين، والتركيز على "المواطنين" و"المتعاملين" الذين هم أساس ومحور عمل الحكومات.
"الرشاقة" لا تعني تقليص عدد الموظفين، بل تتعلق بإعادة تنظيم الهيكل الإداري ليصبح هيكلًا رشيقًا وقادرًا على التحرك والاستفادة من قدرات الموارد البشرية بشكل أكثر كفاءة وفعالية. كما قال الإمام علي رضي الله عنه: "قيمةُ كلِّ امرئٍ ما يُحسِنُ".
وفقًا لأفضل الدراسات والممارسات العالمية، تشمل العناصر الأساسية للرشاقة المؤسسية قدرة المؤسسات على التعرف على التوجهات العالمية والاستعداد لها، واعتماد الابتكار المستمر، حيث تقوم المؤسسة بتطوير منتجات وخدمات جديدة تلبي احتياجات المواطنين والمتعاملين المتغيرة.
كما يجب أن تكون المؤسسة قادرة على التكيف وتعديل العمليات والإجراءات بسرعة استجابةً للتغيرات في البيئة الداخلية والخارجية.
المؤسسات الرشيقة تعمل أيضًا على التعرف على الفرص الجديدة واستغلالها بفعالية. على سبيل المثال، عند ظهور تكنولوجيا جديدة تخدم عمليات المؤسسة، يجب أن تكون المؤسسة قادرة على إدخال هذه التكنولوجيا بسرعة لزيادة الكفاءة والفعالية، ومن ثم إعادة تخصيص الموارد بسرعة لمواجهة التحديات والفرص غير المتوقعة.
المؤسسات الرشيقة تعمل على تعزيز ثقافة التعاون بين الفرق المختلفة لضمان سرعة الاستجابة والتنفيذ، سواء كانت هذه الفرق داخل المؤسسة أو بالتعاون مع المؤسسات الحكومية الأخرى بهدف خدمة المتعاملين.
إعادة الهيكلة في هذه المؤسسات تهدف إلى تحسين وتنظيم استخدام الموارد البشرية لتحقيق أهداف المؤسسة بفعالية. بدلاً من تقليص عدد الموظفين، يمكن للمؤسسات تطبيق استراتيجيات إعادة الهيكلة لتعزيز الرشاقة المؤسسية.
يمكن تحقيق ذلك من خلال توزيع المهام والمسؤوليات بشكل يحقق أقصى استفادة من مهارات وقدرات الموظفين، وتقديم برامج تدريبية لتطوير مهارات الموظفين بما يتناسب مع التغيرات التكنولوجية ومستقبل الوظائف.
علاوة على ذلك، تعمل المؤسسات الرشيقة على تعزيز التعاون بين الأقسام لتشجيع التعاون والابتكار، وتبني التكنولوجيا الحديثة لتحسين كفاءة العمليات وتسهيل التواصل والتعاون. هذا يعني أن الرشاقة المؤسسية هي استراتيجية حيوية تتيح للمؤسسات التكيف مع التغيرات بسرعة وفاعلية دون الحاجة إلى تقليص عدد الموظفين. بل تتعلق بإعادة تنظيم الموارد البشرية وتعزيز التعاون والابتكار واستشراف المستقبل. من خلال التركيز على تطوير المهارات، تحسين العمليات، واستخدام التكنولوجيا، يمكن للمؤسسات تحقيق الرشاقة المؤسسية وتحسين أدائها بشكل مستدام دون الحاجة إلى الاستغناء عن موظفيها.
لا بد من إدراك حقيقة اننا في بداية عصر جديد غير مسبوق وليس امتداد لعصر سابق، وإن قواعد اللعبة قد اختلفت بشكل جذري وعلى جميع الأصعدة، وأن شكل العالم سيتغير واللاعبين الكبار لم يعد بمقدرتهم ان يبقوا المسيطرين الحصريين بعد الآن.
لقد أصبحنا بحاجة إلى قوانين وأنظمة جديدة تحاكي المستقبل وأدوات وأساليب جديدة ومبتكرة للحاق بالركب ومواكبة ما يحصل والتغلب على هذه التغييرات "الأسية" غير المسبوقة.
في الختام، يمكن القول إن الرشاقة الحكومية هي المفتاح لتحقيق التميز والتفوق في عالم الأعمال اليوم. من خلال تبني نهج شامل يركز على الابتكار والتعاون والتكيف السريع، يمكن للمؤسسات الاستفادة من مواردها البشرية بشكل أفضل وتحقيق أهدافها بكفاءة وفعالية، دون الحاجة إلى التضحية بموظفيها.
* خبير التدريب والتطوير / كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية