لم استطع النظر طويلا الى قدميه الحافيتين، ورم واسوداد يحيق بفتق عميق في اصبعي ابهامه.. ركن جانباً عصا عوجاء يتخذها عكازاً.. وبدأ يطببهما أمامي بمسحوق السلفة..و»سبيرتو أبيض»...كان قلبي «يشفطني» كلما تألم ذلك الرجل من حرق المعقمات..سألته:
من اين لك هذا؟
قال – من السكّري؟
أنا- قديش بيوصل معك ع الريق؟
هو- 600
أنا- بتتحمّى؟
هو- لأ. اللي ذبحني البيبسي!! قبل اسبوع شربت ليترين ونص «ميرندا» وصبحت أصابعي هيك!.
ثم تابع: بطّلت اشوف وبطّلت امشي وبطّلت افهم..كله من السكّري...
(طبعاً اكتشفت لاحقاً ان كل مشروب غازي يسمّيه هذا الرجل بيبسي).
من خلال حديثه تيقّنت ان الفتق الذي في قلبه أكبر وأعمق وأوجد وأكثر احتقاناً من الفتق الذي في ابهاميه..قال أنا لا أنتظم على العلاج، عندي سكري وضغط وجلطة.. لأنني لا املك ثمن العلاج أصلا،ولا تأمين عندي، اعيل 11 نفراً، كانت الشؤون تصرف لي 40 ديناراً شهرياً ثم «بلس» عنّي احدهم فأنا أعمل أجيرا في محل تصليح «صوبات»، اصلاً هاي السنة «فيش سقعة» حتى الناس تدير صوبات، حتى ولا دار معهاش مصاري تعبي الصوبات، ثم عاد الى النقطة المهمة، أصلك قطعوا الراتب عنّي..تناول العصا ثم وضع رأسها تحت ذقنه..وقال شاكياً..أول مبارح رحت ع المستشفى..قلت لهم :مشان الله داووني ولكو؟..ما حدا ردّ...قالوا: الحكومة ليش ما تصرفلك تأمين؟...قلت لهم:أي حكومتي فاضية الي؟..
نظر الي، بعد ان لاحظ سكوتي وقلة مفردات التعليق..سألني..
هو- شو بتشتغل؟
انا- صحفي؟
هو- بتقدر تساعدني؟
أنا- بأمرك ..شو ممكن أساعدك؟
هو- تخليني أنسجن؟
أنا- تنسجن ليش؟
هو- بس يسجنوني ويشوفوا «رجليّ خربانات» رح يخافوا من هظول تبع حقوق الانسان ويعالجوني ع حسابهم..أقلّك واذا زبطت معي بجوز «يعالجوني» برّة.
لم اعلق بمفردة واحدة على شجرة يأسه، اصلاً كل مفرداتي بمثابة «السلفه» لن تنفع في تطبيب حزنه العميق العميق.
سكت الرجل قليلاً..ثم قال بلسان أثقلته الجلطة: أنا بعرف واحد بإربد من المعارضة..بتعرف لو أقول للمعارضة «عن رجلي» غير يعالجوني ع حسابهم...بس أني بدّيش اخلّيهم «يحطّوا وحده» عالدولة...
ابتسم لي ممازحاً خاتماً امانيه:آآآآخ.. لو اني «شتلة ميرمية» كان بقص رجليّ وبرميهن..آخرتهن يطلعن... علوّاه اني شجرة ميرمية...
ahmedalzoubi@hotmail.com
(الرأي)