في عالمنا المعاصر، تتحرك المعرفة بسرعة فائقة وبشكل "آسي" وتتدفق المعلومات بلا حدود، فلماذا تبقى الجامعات محاطة بأسوار تفصلها عن المجتمعات؟ يجب أن نعيد التفكير في دور الجامعات وكيفية تفاعلها مع العالم الخارجي، حيث إن الجامعات ليست مؤسسات منفصلة عن المجتمع؛ إنها جزء لا يتجزأ من نسيج المجتمع. ومن المفترض أن تكون الأبحاث والابتكارات التي تُنتج في الجامعات مفيدة وقابلة للتطبيق في الحياة اليومية. أسوار الجامعات ليست مجرد "حواجز فيزيائية"، بل هي "حواجز فكرية" تحول دون تفاعل الجامعة مع المجتمع.

التحديات التي تواجهنا اليوم، بدءاً من "تغير المناخ" ووصولاً إلى "التقدم التكنولوجي السريع" و"الذكاء الاصطناعي التوليدي"، الذي وصفه "بيل جيتس" بأنه أخطر على البشرية من القنبلة النووية إذا لم يتم تنظيمه وحوكمته، ستؤثر على جميع مناحي الحياة، لذلك تتطلب هذه التحديات تفاعلاً مستمراً بين الأكاديميين والطلاب والمجتمعات، بحيث تصبح الجامعات منصات مفتوحة للحوار والتعاون والقيام بمشاريع مشتركة لمواجهة مجموعة من التحديات، حيث يمكن للباحثين والعلماء العمل مع المجتمعات لحل المشاكل الفعلية والتفكير بالمستقبل.

العالم اليوم يعتمد بشكل كبير على "الاتصال الإلكتروني والذكي" حيث إن التعليم الإلكتروني والمنصات الرقمية تتيح للجامعات فرصة للانفتاح على العالم وجعل التعليم متاحًا للجميع، بغض النظر عن الموقع الجغرافي. هذه الأدوات تُمكّن الطلاب والأكاديميين والخبراء في القطاع الخاص من التواصل والمشاركة في المعرفة بشكل أوسع وأكثر فعالية.

لتحقيق ذلك، يجب على الجامعات إزالة "الحواجز الفيزيائية" وقبلها "الحواجز العقلية"، والعمل على فتح أبوابها وعقولها وقلوبها أمام المجتمعات المحلية والدولية. كما ينبغي تشجيع التعاون في إنشاء شراكات مع المؤسسات المجتمعية والحكومية والخاصة، وتقديم برامج تعليمية وتدريبية تلبي احتياجات المجتمع المتغيرة، ودعم المشاريع الريادية والأفكار المبتكرة التي يمكن أن تحدث فرقًا حقيقيًا في المجتمع. كما يجب توجيه الأبحاث نحو حل المشكلات الحقيقية التي يواجهها المجتمع والتصدي للتحديات المستقبلية واقتناص الفرص عن طريق استشراف المستقبل، " الطلاب من الأجيال الحديثة يمتلكون أفكارًا مبتكرة وغير تقليدية".

من المفترض أن تكون الجامعات قاطرة للتنمية المستدامة من خلال تقديم حلول مبتكرة للتحديات البيئية والاقتصادية والاجتماعية، وتعزيز العلاقة بين الجامعة والمجتمع، والمساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة بشكل أكثر فعالية.

تُعد مبادرة البروفيسور يوسف العساف، رئيس جامعة روتشستر الأمريكية في دبي، خطوة رائدة لتعزيز التكامل بين التعليم والمجتمع وقطاع الأعمال. حيث قرر، عند تصميم المبنى الجديد للجامعة، عدم بناء سور حول الحرم الجامعي وعدم إنشاء بوابة رئيسية. هذا التصميم يعكس انفتاح الجامعة على المجتمع المحلي ويعزز سهولة الوصول إليها. كما يشجع هذا التصميم المبتكر على التعاون والتفاعل المستمر بين الطلاب والمجتمع المحلي والشركات، مما يخلق بيئة تعليمية ديناميكية ومتكاملة.

واحتضنت الجامعة شركات خاصة مثل "HP" و"Johnson Controls" داخل الحرم الجامعي مما يعزز بيئات الأعمال للإبداع والابتكار المشترك، ويمكّن الطلاب من الاستفادة المباشرة من خبرات هذه الشركات، مما يساعدهم في صنع مستقبلهم المهني. هذه الخطوة تعكس التزام الجامعة بتقديم تجربة تعليمية شاملة تدمج التعليم الأكاديمي مع التجربة العملية والتفاعل المستمر مع قطاع الأعمال.

أزيلوا أسوار الجامعات الأردنية واتركوا الفضاء مفتوحًا لتكون الجامعات أقرب وأكثر تفاعلًا مع المجتمعات. في هذا العالم المتسارع، لا مكان للعزلة. يجب أن تكون الجامعات في طليعة الابتكار والتغيير الإيجابي، بحيث تسهم مبادراتها وأبحاثها في خدمة المجتمع، ولا تبقى حبيسة الأسوار. يجب أن تتفاعل مع المجتمع باستمرار، وتكون قادرة على تلبية احتياجاته المتجددة. بهذه الطريقة فقط يمكننا بناء مجتمع معرفي متكامل ومتطور ودخول المستقبل الذي بدأ مبكرًا ولا ينتظر.

*صالح سليم الحموري/ خبير التدريب والتطوير كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية.