تجاذبات ثقافة "الوظيفة تكليف وليست تشريف"
فيصل تايه
04-07-2024 01:23 PM
أطلقت هيئة الخدمة والإدارة العامة الاثنين استراتيجيتها للأعوام (٢٠٢٤-٢٠٢٧) بالاعلان ببدء نفاذ نظامي الموارد البشرية الجديد في القطاع العام ، والخدمة المدنية المعدل، وذلك ضمن مخرجات تحديث القطاع العام ، ولتعكس فهما واضحا للأدوار الجديدة المناطة بها، لتقوم بها بكل همة ومسؤولية بالتعاون مع المؤسسات والوزارات كافة ، اذ تهدف إلى ترسيخ دور الهيئة "التنظيمي والتطويري" في مجالات الموارد البشرية ، والخدمات، والهياكل التنظيمية، والحوكمة، وإدارة الأداء المؤسسي، والقيادات الحكومية، والثقافة المؤسسية.
ان توجه الحكومة نحو بداية عمل جديدة سيرا باتجاه "التحديث الإداري" الذي أراده جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين "أولويته" خدمة الوطن والمواطن ، وتحقيقه يكون من خلال تحديث "الإدارة العامّة" ، وتطوير الأداء المؤسسي والفردي ، والحوكمة، وتطوير أدواتها المختلفة من خلال إعادة هندسة إجراءاتها وإزالة المعيقات حولها ورقمنتها وأتمتتها، ليستطيع المواطن الحصول عليها بسهولة وفاعلية، إضافة إلى تطوير الهياكل التنظيمية وتطوير "الثقافة المؤسسية" والاهتمام بتحسين بيئة العمل .
وبما أن محور عملية "الإصلاح الإداري" هو المواطن، ذلك للارتقاء في مستوى أداء "الموظف الحكومي" ، بعد ان شهدت الإدارة الأردنية تراجعاً واضحاً في الأداء لعدة أسباب معروفة ، اضافة الى التشوهات التي حصلت في نظام الحوافز والمكافآت المعمول به ، واتصافها "بعدم العدالة" بين الدوائر الحكومية المختلفة ، والتفاوت للحاصل في التكافؤ بها ، فمن الملاحظ ان بعض الوظائف في "القطاع العام" تتقاضى راتبًا أعلى من نظيرها في "القطاع الخاص" ، فكان لا بد من الوقوف عند "نظام الحوافز" الذي بات لا يحقق "العدالة" في القطاع الحكومي وفي مختلف دوائره الحكومية خلال السنوات السابقة ، ما تطلب ومراجعته مراجعة شاملة ، "فالحوافز" هي لقاء عمل استثنائي يقوم به الموظف ويستحق عليه حافزًا ، فكان لا بد من طريقة مثلى التعامل معها تضمن حقوق الموظفين ومزاياهم المالية ، وبذلك فقد جاءت استراتيجية الخدمة والإدارة العامة التي أطلقت ضمن عملية منظمة وموجهة .
اننا اليوم وضمن فهمنا لهذه الإستراتيجية فأن نظام إدارة الموارد البشرية جاء لتطوير أداء الكوادر البشرية التي تعد أساس تحديث القطاع العام ، وهذا يتطلب من هيئة الخدمة والإدارة العامة العمل على ضمان امتثال الوزارات والمؤسسات بهذه الأنظمة الجديدة ، وتعاونها مع مختلف المؤسسات لبناء قدراتها الفنية والإدارية ، وذلك من خلال "جهات رقابية" تتابع هذه الاجراءات ، اذ ستتحمل الدوائر الرسمية المسؤولية التامة في ادارة شؤون موظفيها ، وفي الوقت نفسه فان النظام المعدل للخدمة المدنية يحافظ على حقوق الموظفين السابقين المالية من حيث درجاتهم وعلاواتهم ومكافئاتهم ، فالواضح أن الموظفين الذين تم تعيينهم قبل سريان النظام في الأول من تموز/ يوليو الجاري مكافآتهم باقية ، لكن اذا ما اردوا الحصول على هذه المكافآت والحوافز المخصصة لهم بشكل كامل يجب عليهم أن يتمتعوا بتقييم وأداء متقدم حتى يحصلوا عليها .
انا اعتقد ان هذا "النظام" جاء للابتعاد عن حالة الركود والانتظار في قوائم الانتظار لطالبي الوظائف من الخريجين الذين لا يمتلكون المهارات الى جانب الاختصاص ، ومن هنا يتم التركيز على طبيعة الوظيفة ومدى ملائمة المتقدم اليها لشغلها في القطاع العام ، اذ سيراعي هذا النظام فيما بتعلق "باختيار الموظفين" العدالة ومنظومة النزاهة والكفاءة لخدمة المواطنين ورفع سوية الأداء للقطاع العام وهو "جوهر" تحديث خارطة الطريق للقطاع العام والتدرج بوقف التعيين من خلال ديوان الخدمة عام ٢٠٢٧ ليصبح من خلال الاعلان المفتوح والمسابقات التنافسية فقط.
كما واننا وحين نتتبع بنود النظام الجديد للموارد البشرية "نظام الخدمة العامة الجديد" نجد ان من الملاحظ أنه لا يجوز أن تكون هناك فجوة بين الأداء الفردي على مستوى الموظفين والأداء المؤسسي، ذلك لوجود خمسة مستويات لتقييم الأداء، وأن الموظف الجديد ان لم يكن "أداؤه" بالشكل المطلوب سيتم "إنهاء خدمته" ، اذ من الملاحظ ان من ايجابيات هذه "النظام" أنه سيتم تفعيل مبدأ "الثواب والعقاب" ، فالراتب للوظيفة اصبح مرهوناً بوجود حوافز تدفع الموظف الى "التطور والاجتهاد" في عمله للحصول على "الحوافز التشجيعية" بحيث يحصل الموظف المجتهد والكفء على تسريع في تقدمه الوظيفي ومنحه حوافز مجزية قد تصل الى "١٥٠%" من راتبه الشهري بموجب هذا النظام اضافة الى "٢٥ دينار" زيادة سنوية وغيرها ، وهذا يتطلب على الموظف أن ينمي قدراته للحصول على الحوافز والمكافآت ، فيما الموظف المتقاعس الذي يعطل الإجراءات والذي يعتبر له حساباته الخاصة في ذلك .
اجزم ان من ايجابيات هذا "النظام" القضاء على "البيروقراطية" المستفحله في مؤسسات الدولة المختلفة ، فالموظف الذي عُين سابقًا وكان مديرًا أو رئيس قسم ولم يكن أداؤه بالشكل المطلوب يتم "تنحيته" من المسمى القيادي أو الإشرافي ليعود إلى موظف "عادي" ، كما وان نظام "الترفيع التقليدي" المعمول به سابقا ينتهي بالنظام الجديد ليحل مكانه نظام الترقية من خلال التركيز على "الكفايات" للتقدم "بمستوى الوظيفة" .
واخيرا يبقى الكثير من الموظفين "متخوفون" من تقييم رؤسائهم او مدرائهم لهم ، وذلك خوفا من المحسوبية والمصلحية والمحاباه ، لكن انا اقول ان النظام الجديد "وكما أعلن" يعتمد على مؤشرات أداء قياسية تشرف عليها الجهات الرقابية ولا يمكن التلاعب بها وفي حال ثبت وجود "تقييم خاطئ" للمسؤولين او المدراء سيتم التعامل معهم وفق القانون .
وفق ما تقدم ، فانه يجب ان تترسخ لدينا قناعة تامة ان ثقافة " الوظيفة تكليف وليس تشريف" ستتغير ، {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى}
والله ولي التوفيق