بنيت اتفاقيات أوسلو وسلطة الحكم الذاتي على أسس فكرة "غزة ـ أريحا" أولا، وتفاءل الكل بدولة فلسطينية مستقلة يتم إقرارها في مفاوضات الحل النهائي مع إسرائيل. قامت السلطة، وبقيت الضفة تحت الاحتلال، وها نحن اليوم في عام 2024، نتأكد أن لا مفاوضات حل نهائي ولا أي حل لدولتين، فإسرائيل لا ترى في سلطة الحكم الذاتي بكل "مناضليها المترفين من أجل تحرير الأرض والإنسان" ما يؤهلها لتكون شريكا في أي مفاوضات، وفعليا وعلى أرض الواقع، فإن السلطة وهي وريث منظمة التحرير الفلسطينية، لا تستطيع أن تعقد اتفاقا ـ ولو بالحد الأدنى ـ مع حركة المقاومة الفلسطينية "حماس" التي طردت مناضلي "فتح والمنظمة" واستولت على حكم القطاع المعزول بقوة السلاح.
فعليا مرة أخرى، وعلى أرض الواقع، سقطت اتفاقية أوسلو، وبالضرورة والتبعية لها، تصبح سلطة الحكم الذاتي نفسها ساقطة منتهية الصلاحية، وهي وريث منظمة التحرير الفلسطينية التي أسقط قائدها التاريخي المرحوم ياسر عرفات عام 1989 ميثاقها الوطني للتحرير مستخدما الكلمة الفرنسية " C’est Caduc" ـ كادوك، بمعنى أنه باطل أو مر عليه الزمن.
ما لم يسقط حتى اليوم، فعليا وعلى أرض الواقع، هو قرار مجلس الأمن الدولي 242، الذي يطالب إسرائيل بالانسحاب من أراض محتلة في يونيو عام 1967.
تعلن إسرائيل نيتها المتكررة، لضم الضفة الغربية، وهو ما يخالف القانون الدولي بوضوح لا التباسات فيه، لكن إسرائيل لا ترى "شريكا" أمامها تفاوضه على الضفة الغربية.
في المحصلة، فإن الحديث عن تفجير اسرائيلي للوضع في الضفة الغربية لغايات تفريغها وتهجير سكانها نحو شرق النهر خطة إسرائيلية قديمة، لكنها تجد قواعد تحرك منهجية لها مع حكومة نتنياهو اليمينية اليوم، وهو ما يجب أن يجعل الأردن في حالة تنبه وقلق واستنفار سياسي يجب إسناده بخطط مضادة فاعلة وبديلة على كل المستويات، ولا يكتفي بالتصريحات المتكررة عن "حل الدولتين"، فورقة حل الدولتين لم يعد يراها أحد على الطاولة، كما أن الطاولة نفسها لم تعد موجودة.
من هنا، تصبح الإحالة إلى ما قبل أوسلو ضرورة، بمعنى إحالة إلى ما اتفق عليه المجتمع الدولي باعتبار الضفة الغربية أراضي محتلة، مثلها مثل الجولان وسيناء في حرب قامت في يونيو عام 1967، وتم وقفها بقراري 242 و 338 الصادرين عن مجلس الأمن آنذاك ولهما قوة القانون الدولي حتى اليوم.
أقرب نقطة تاريخية قبل أوسلو – التي سقطت فعليا- كان مؤتمر مدريد للسلام الذي قام على القرارين الأمميين، وربما علينا البدء من نقطة مدريد من جديد مع ما يلزم من تعديلات تشكلت بفعل عوامل التجوية والتعرية السياسية منذ بترت عبثية "أوسلو" جدية ما كان يحدث في مدريد.
وعليه، فالأردن "رسميا" مدعو للتحرك بهذا الاتجاه، وبعيدا عن العبث التاريخي "لمناضلي تحرير الأرض والإنسان" القابعين في رام الله، ومزايدات "الترف الفكري المتعصب" لمن يطالبون في شرق النهر بالانكفاء على أساس أن الضفة بكل تفاصيلها شأن "فلسطيني" فإن الأردن واقعيا مهدد في مجاله الحيوي وعلى أقرب خطوط التماس المؤثرة عليه في الداخل.
الغد