facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss




الهندسة نظام أم عبث؟


د.سالم الدهام
03-07-2024 05:17 PM

يوما بعد يوم يتسع فضاء الهندسة ويتمدد ليشمل حقولا وتخصصات كثيرة، فمن الهندسة المدنية إلى الهندسة المعمارية، والهندسة الكيميائية، والهندسة الكهربائية، والهندسة الزراعية، وهندسة الحاسوب، وهندسة الروبوتات.. وغير ذلك من أنواع الهندسة التي لم يرد ذكرها، وكلها تسعى لتطبيق المبادئ العلمية في حقل من الحقول أو تخصص من التخصصات بشكل نموذجي ومعياري من أجل الوصول إلى أفضل النتائج التي تخدم الأهداف المنشودة..

والهندسة تعتمد على المعارف والعلوم الطبيعية كالفيزياء والكيمياء والأحياء والعلوم التجريدية كالمنطق والرياضيات، وذلك من أجل إنتاج تطبيقات غير موجودة أصلا في الطبيعة، فهي بهذا المعنى نوع من التأليف والتوليف والمزج الذي يؤدي إلى اختراع تطبيقات ومنهجيات تخدم الحياة بشكل يجعلها أكثر يسرا وسهولة، وهي بهذا المعنى تنساق في مساق إعمار الأرض اعتمادا على سلطان العلم، وإلى هذا الحد تبدو فكرة الهندسة مفيدة ومثمرة وبناءة، وهي لا تشتبك سلبيا بأي حال من الأحوال مع الأبعاد الأخلاقية والنظم والمعايير الاجتماعية والدينية.

غير أن مفهوم الهندسة قد أخذ بالتنامي والتوسع ليجتاح الخصائص الطبيعية للبشر والحيوان والنبات في ما يخص علم الهندسة الوراثية، لأغراض بعضها يحل مشكلات طبية، واجتماعية وغذائية، وبعضها الآخر يستهدف التلاعب والعبث بالجينات لأهداف اقتصادية رأسمالية تتصل بزيادة الإنتاج وتحقيق الأرباح، مع التضحية بالمعايير، ودون اعتبار لأي قيمة، وما يزال الباب مفتوحا على مصراعيه ل"الهندسة" مع تنامي تقنيات الذكاء الاصطناعي التي باتت تشكل واقعا ملموسا يتخطى حدود الخيال العلمي لتلج عالمنا الواقعي وتقتحم حياتنا الطبيعية- تعدنا بإحداث نقلات نوعية في كثير من النشاطات البشرية التي كنا نظنها مجالات إنسانية أثيرة ومحمية من عبث التكنولوجيا كالفن والرسم والأدب والإبداع وغير ذلك مما يتماس مع العلوم الإنسانية والاجتماعية..

ويشير بعض الباحثين إلى أنه سيكون بمقدور مطوري تقنيات الذكاء الاصطناعي أن يضعوا معايير ومواصفات أشبه بالهندسية لإنتاج نصوص شعرية وقصصية وربما روائية ومسرحية بمواصفات فنية عالية، وسيصبح النقاد أكثر قدرة على إنجاز الأعمال الإبداعية من المبدعين أنفسهم ، ليس هذا فقط في الأدب، بل في مجالات أخرى كثيرة.

وأظن أن أمر الهندسة بمفهومها الشامل سيمتد إلى هندسة التفكير من خلال تعزيز بناء الشخصيات النمطية المجتمعية، وتهيئة أسباب انتشارها وقبولها، ومن ثم تقليدها، من خلال تعزيزها بخلق استجابات إيجابية واسعة النطاق يتم العمل على إنتاجها ضمن برامج وخطط مدروسة، ولعلنا بدأنا نلمس منذ زمن كيف تتشابه المقابلات والأحاديث المتلفزة وأداء المذيعين والمذيعات، ومقدمات الكتب وتقديماتها، وما يقال في جاهات الصلح والزواج، وقصائد المدح، وما يطرح من مواضيع في الدراما والغناء والفن عموما، بل ما تنتجه عمليات التجميل النسائية من أنماط مكررة تشبه إلى حد بعيد ما تنتجه الجامعات من أبحاث الترقية التي لا تخدم سوى المترقين أنفسهم، وتشبه أيضا طائفة واسعة من الأحزاب التي لا تملك هوية خاصة بها؛ لأن الآباء الروحيين المنتجين لها هم أيضا نتاج عمليات هندسة اجتماعية متقادمة.

ستتعاظم الهندسة (الشاملة) في قادم الأيام، وستتلاشى الملامح التي كانت تشكل علامات فارقة طبيعية في التفكير والسلوك والمزاج والحب والكراهية، وستتخدر المشاعر، وستتشابه ردود الأفعال ، لكن الحقيقة أن الأصل في الحياة التنوع والتعدد والاختلاف، وكل هذه الأشياء ظواهر صحية، وما اختفاؤها إلا مؤشر على اعتلال اجتماعي، وعلى علماء الاجتماع أن يهبوا ليقفوا على أسبابه، ويشخصوا أدواءه.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :