يخطئ من يعتقد ان الاوضاع في الاردن متوترة بسبب ما يحدث في غزة ، ويبالغ من يعتقد ان الاردن يعيش حالة تراجع اقتصادي وثقافي وسياسي نتيجة الحرب الاجرامية على فلسطين، حيث يطالعنا بعض الكتاب يوميا بمقالات تشد اعصاب الناس عن حالة غير طبيعية يعيشها الاردنيون، والحقيقة ان اهل الاردن قد تعودوا على الازمات في الجار الغربي الفلسطيني وفي الجار الشرقي العراقي والشمالي السوري، بل ان الاردن قد خاض حرب عام 1948 مع الجيوش العربية الاخرى عندما كان عدد سكانه لا يتجاوز المليون اردني، ولم يخف الاردنيون يوما من المجهول او من اسرائيل او من التوتر الداخلي ، وعندما قدم الاخوة الفلسطينيون اثر النكبة لم يشعر احد بالاردن ان اسرائيل ستبتلع الاردن، واعانت الناس بعضها بعضا واقيمت المخيمات واستوعب الاردنيون القادمون الجدد، وبقيت العملة قوية والمعنويات عالية والجيش يحمي البلاد، وفي ال67 خسر العرب سيناء والجولان والضفة الغربية في حرب اخطأ في حساباتها جمال عبدالناصر ، وعلى اثرها قدم الالاف من غربي النهر الى شرقيه واستوعب الاردن ذلك ولم يتوتر الداخل الاردني ، وعندما قامت حرب الكرامة خاضها الجيش الاردني بكل اقتدار وهزم الصهاينة الذين جاءوا لازاحة المخيمات الفلسطينية من الاغوار ، فازيح الصهاينة من ارض الاردن.
وجرت بعدها المقادير في الاردن وكان ثابتا واهله بخير ، دون اعتبار للخوف من اسرائيل ، لان هنالك جيش قادر على سحق كل من تسول له نفسه الاقتراب من هذا الحمى العربي العريق ، وحدثت الانتفاضة الاولى والثانية والحروب المختلفة في المحيط العربي ، وكان الاردني في قراه ومدنه وبواديه امنا مطمئنا ان هذا البعبع المسمى اسرائيل ليس له حظ في شرقي الاردن ، وهذا الاعتقاد مبني على مسلة ميشع الملك المؤابي من شرقي الاردن الذي سجل على صخرة انتصاراته على اليهود في فلسطين قبل ما يقرب من الفي عام.
لم يكن الاردن يوما مطمع للصهاينة كما يروج البعض ، ولم يكن الاردن يوما جزءا من وعد بلفور ، بل ان الوعد كان واضحا ( اقامة وطن قومي لليهود في فلسطين ) ولم يقل شرقي الاردن ، لذلك كثير من الكتاب والمحللين السياسيين يحاولون زج اسم الاردن كجزء من المخطط الصهيوني العالمي ، وهذا غير صحيح ، لان الصهاينة يعرفون ماذا يريدون، ويدركون ما يحتلون منذ مؤتمر بال في سوسيرا على يد مفكرهم ثيودور هيرتزل ، في منتصف القرن التاسع عشر.
لذلك يعيش الاردنيون اليوم حالة من معرفة ماذا يوترهم ، وما الذي يقلق بالهم ، حيث ان اخر ما يقلق صفو نوم الاردنيين هي اسرائيل ، وهم يعرفون جيدا كيف يتصدون لها عندما تدلهم الخطوب ، اما ما يقلقهم اليوم فهي البطالة وقلة الرواتب والاسعار المرتفعة وازدحامات السير ومستوى التعليم وكثرة اللاجئين الذين يزاحمون الشباب في سوق العمل ، وقلة المياه وتغير المناخ ، هذه ابرز اهتمامات اهل الاردن وهم ينظرون الى ما يحدث غربي النهر كما ينظر اليه السوريون واللبنانيون والمصريون والعراقيون كبلد شقيق فيه حرب اجرامية يحاول الجميع المساعدة بقدر المستطاع ليس الا ، فان اعتبار اولوية الاردني هو ما يحدث في غزة هذا كلام لا يرقى لمستوى الحدث ، لكن اجندات خفية توتر الداخل الاردني لاهداف تخصها ، ولا تخص الاردنيين ، وان مشكلة المخدرات من الجهة السورية اخطر علينا مما يحدث على الحدود الغربية.
والحقيقة هنا ان الاردن لم يقصّر في موضوع فلسطين، فقد ارسل المستشفيات والطواقم الطبية والمساعدات الاغاثية وعلى المستوى السياسي لم يترك الملك مناسبة دولية الا وكان الموضوع الفلسطيني هو الاول ، ونحن نتعامل مع القضية الفلسطينية كشأن عربي واسلامي ، لا كشأن اردني داخلي ، الا في ما يتعلق في مواضيع الحل النهائي للقضية الفلسطينية كعودة الاجئين والمياه والحدود، وعدا ذلك فالاردن ينظر الى حل القضية الفلسطينية كشأن فلسطيني داخلي يخص السلطة الفلسطينية وحماس وباقي التنظيمات ، واي تدخل اردني بين هذه الفصائل يعتبر غير مقبول فلسطينيا واردنيا ، وهو من المحظورات التي يحاول الاردن عدم الاقتراب منها ، وكل من يحاول ان يعكس مشاكل الضفة الغربية وقطاع غزة ، ويوهم الرأي العام ان الاردنيون تغيرت حياتهم بسبب الاوضاع في فلسطين فهو واهم ويغرر الرأي العام ، لذلك على الكتاب ان يولو الشأن الاردني جل اهتمامهم ، وان لا يقحهم الاردن نفسه في قضايا عربية حلولها ليست عبر الاردن.
والله من وراء القصد