ما بين الرقمنة والتحول الرقمي طيف ممتد .. أين نحن منه؟
د.هزار ياسر الحمود
30-06-2024 08:56 PM
ما بين طرفي طيف التكنولوجيا نعبر من " الرقمنة" إلى " التحول الرقمي". ففي الطرف الأدنى من هذا الطيف تكمن " الرقمنة" والتي تعبر عن عملية تحويل المعلومات والاجراءات من صيغة مادية ملموسة إلى صيغة رقمية غير ملموسة.وتشمل جميع الجهود باتجاه مسح الوثائق الورقية لإنشاء ملفات رقمية، استخدام البريد الإلكتروني بدلاً من البريد التقليدي، أو تنفيذ أنظمة الدفع الإلكتروني بدلاً من الدفع النقدي.
وفي الطرف الأعلى من الطيف يتربع " التحول الرقمي" وهو مفهوم لا يتعلق بتحويل العمليات الحالية إلى صيغ رقمية كما قد يعتقد البعض، بل هو مفهوم يتفوق على فكرة التحويل النمطي للعمليات لينطلق نحو استخدام التقنيات الرقمية الحديثة لاحداث التغيير الجذري في كيفية عمل الأعمال وتقديم القيمة الأعلى للعملاء.
فالتحول الرقمي من حيث "التطبيق" لا يركز على تحسين العمليات المركزية من أجل زيادة كفاءتها والتقليل من كلفة الأخطاء المرتبطة فيها، بل يتضمن إحداث التغيير الشامل في كيفية عمل المؤسسة وتقديم القيمة لغايات خلق فرص سوقية جديدة، وتحسين تجارب العملاء، والبقاء تنافسياً في بيئة رقمية سريعة التغير. فعلى سبيل المثال، فإن التحول الرقمي غير معني ببيع المنتجات عبر الإنترنت فقط، بل معني باستخدام تحليلات البيانات المتوفرة للمؤسسة لتقديم توصيات للعميل مرتبطة بالمنتجات التي تلبي حاجاته بشكل منفرد.
مما يعني أن التحول الرقمي من حيث "التأثير" قد يعيد النظر في كيفية عمل تجارة التجزئة على سبيل المثال من التركيز فقط على استخدام التكنولوجيا المتقدمة والأتمتة لتحسين الكفاءة وتقليل التكاليف وبالتالي توفير تكلفة إنتاج الوحدة الواحدة من أي منتج عن طريق زيادة حجم الإنتاج. إلى اتاحة الفرصة للمؤسسات إلى تقديم مجموعة متنوعة من المنتجات دون الحاجة إلى عمليات إنتاج منفصلة وما إلى ذلك من تقديم منتجات تلبي احتياجات وتفضيلات العملاء الفردية وزيادة رضاهم وولائهم. وهذا بلا شك سيمنح المؤسسات ميزة تنافسية من خلال تقديم منتجات فريدة دون التكاليف العالية للإنتاج المخصص التقليدي.
كما أن التحول الرقمي من حيث "النهج" لا يتبنى حصرياً استخدام الأدوات والأنظمة الرقمية الحديثة لذات وجودها، بل يتطلب رؤية استراتيجية، وتغيير ثقافة المؤسسات باتجاه أربع ركائز أساسية. تقبل التغيير والمرونة الضرورية للتكيف مع التقنيات و العمليات الجديدة، دمج الابتكار الرقمي في جوهر الأعمال وتعزيز بيئة عمل حيث يشعر الموظفون بالقدرة على تقديم أفكار وحلول جديدة، التركيز على تحسين تجربة العملاء من خلال تلبية احتياجات العملاء والتقاط ردود فعلهم وذلك لتوجيه مبادرات المؤسسة الرقمية وفقًا لتوقعات العملاء.
وأخيرا، تقدير أهمية التعلم المستمر وتطوير المهارات الخاصة بالموظفين لضمان استعداد الموظفين للتغييرات السريعة في ظل التطور التكنولوجي السريع.
وكل مؤسسة ستجد نفسها في مكان ما على هذا الطيف، بناءً على مدى اعتمادها واستفادتها من التقنيات الرقمية. فأين مؤسساتنا منه؟
** الكاتبة خبير تحليل وتصميم الأنظمة الحاسوبية بالجامعة الأردنية