قبل سنوات طويلة.. كنت مديرا لاحد المشاريع المهمة.. وفي يوم اطلاق المشروع.. كان مطلوب منا ان نوفر سبعين مهندسا لينتشروا على رقعة الوطن.. حتى يقوموا بالاجراءات الفورية في حال حدوث اي خلل.

وقمت باختيار عشرة مهندسين خبراء ليكونوا في مراكز رئيسية على امتداد الوطن.. وقلت لهم انكم مؤمنون بالاكل والشرب.. شريطة عدم مغادرة مراكزكم.

اذكر انه في الساعة التاسعة صباحا من ذلك اليوم.. اتصل معي احد المهندسين العشرة.. وقال لي "يا رجل.. من الساعة 7 للآن.. ما شفت اشي.. حتى كاسة شاي".

مباشرة قلت للمسؤول عن المشروع والذي هو بجانبي في المركز الرئيسي.. "يا ليتك توصي عليه".. فالتقط الهاتف.. وقال للمسؤول في الموقع "ديروا بالكم على المهندس.. ولا تنسوه من الشاي".. بعد اقل من ساعة.. اتصل معي المهندس.. وقال "بترجاااااك وقف حنفية الشاي".

هذه القصة التي حدثت معي شخصيا.. ذكرتني بما فعله وزير المعارف في بلاد الواق واق.. فقد كانت الواق واق قريبة من البحر.. ولم تنتبه لذلك بالشكل الممنهج.. فطلب حاكم البلاد.. والذي يتمتع ببعد نظر.. من ذلك الوزير بان يعطي اهتماما لتنشئة الجيل على العمل المهني في البحر والصيد.. وان يجعل من ذلك شيئا مهما ومتقبلا.

ولأن الرؤساء والملوك لا يشروحون بالتفصيل.. وانما يعطون الافكار.. ويتركون للتنفيذيين وضع الخطط لها.. لانهم يظنون بانهم متفهمون وعلى قدر المسؤولية.. فلم يقل الحاكم انه لا يُنسيك التركيز على التعليم المهني للبحر.. امر التعليم الاكاديمي.

من هنا.. تلقف وزير المعارف الامر.. ولأن نظرته قصيرة.. وتفكيره سطحي.. اعتقد بانه اذا ركز على التعليم المهني للبحر والصيد وكيفية صناعة الشبكة والصنارة.. سيرضي الحاكم.. ويبقيه في مكانه حتى يموت.

وللأسف فقد دمر ذلك الوزير اساسيات التعليم.. واهمل كل شيء.. ولم يسع لتطويره.. وركز على القارب والسمك والربيان والشبكة.

فوصل الامر للحاكم.. وكان قد وصله ملحوظات عنه من قبل شرفاء وطنيين.. وكما قلت في مقالي السابق.. فقد تم عزله على الفور.. وتمت محاكمته والتي افضت لاعدامه.. لانه يسعى بشكل واضح لدمار اهم مرتكز للبلد.. وهو الانسان.