facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss




حكومات ومؤسسات ممتنة ورشيقة


صالح سليم الحموري
30-06-2024 11:49 AM

منَ المتّفقِ عليه أنَّ تطويرَ المعارفِ والمداركِ، يُمثّلُ قوّةً حقيقيّةً لعقلِ الإنسان، يُعززُ من خلالها قدراته على إيجادِ المقارباتِ الفكريّةِ للوصولِ إلى خلاصاتٍ مفيدةٍ وقرارات فعّالةٍ. وهذا لا يتأتى بالقراءة وحدها، بل يتحققّ من خلال العمل اليومي الجاد، والخبرة المتراكمة، والتّواصلِ المستمرِّ والنّقاش مع الشغوفين بالتّعلم. فهذه السُّطور، مثلاً، هي خلاصةُ سلسلة من الحوارات حدث آخرها في جلسةٍ مع خبراء في التّخطيط الاستراتيجي والتميز المؤسسي.

دار حديثُنا حول: "كتاب البجعةِ السّوداء: تداعياتُ الأحداثِ غير المتوقّعة" للفيلسوف وأستاذ اللّايقين "نسيم طالب"، وَنظريّة التّمتين لفيلسوفِ الإدارة العربية "نسيم الصمادي." حاولنا أن نربط بين أفكار "النّسيمين" وسُبل استثمارها في تعزيز رشاقة المؤسّسات الحكومية والخاصة، وزيادة متانتها أيضاً، لا سيّما في ظل تغيّرات عالم "الفوكا" وما يفرضه علينا من تّعقيد وغموض ولّايقين.

أشار "نسيم طالب" في كتابه إلى صعوبةِ التّنبؤِ بالأحداثِ وتداعياتها، فنحن نعرف ما نكتشفه ونكتشف ما نعرفه فقط، بينما تفاجِئنا المتغيرات بما لا نعرفه ولم نقبله، لمجرد أننا لم نألفه. فكثيراً ما تَّصدُمنا الأحداث بما رفضناه أو تجاهلناه!

في كتابه "Antifragile" ركَّز "طالب" على الإنسان الفرد القادر، ليس فقط على مواجهة الصّعوبات، بل وتَحَّمُل الصدمات أيضاً، وتحويل المشكلات إلى فرص، والهشاشة إلى متانة.

وكان "نسيم الصمادي" أول من فّرَّق بين "الصَّلابة" و"المتَّانة" فقال إن أفضل تعريب لنظرية "نسيم طالب" حول مقاومة الهشاشة هو مصطلح "المتانة". وتتلخص وجهة نظر "الصمادي" في أن للقوة ثلاثة مستويات: ضعيف، وقوي، ومتين، وهذا ما لا تصفه مفاهيم اللغة الإنجليزية، ما دعا "نسيم طالب" إلى وصف المستوى الثالث للقوة بمصطلح "ضد الهشاشة"، أي غير قابل للكسر أو الفشل. فكل ما هو صلبٌ قويٌ، ولكن زيادة الصلابة تعني الجمود وافتقاد الرشاقة. ولقد قمت أنا بصَّكَ مصطلحَ "المتانة" واضفت عليه مفهوم الرشاقة Agility إلى القوة Strength، فنحصل على "المتانة، أي Antifragility.

أشار الصمادي في كتاباته إلى "التّمتين" أي (تقوية القوي) مقابل الصَّلابة والتَّقْوية والتي لا تزيد عن "تقوية الضعيف". ومن ثم تحتاج المؤسسات الرشيقةُ والمتينة إلى مديرين "مُمتّنين" و "ممتِّنين"، بمعنى أنهم يتمتعون بنقاط القوة المطلوبة لأدوارهم -لا مجرد وظائفهم، لأن هناك فرقاً بين الوظيفة والدور. فهؤلاء المديرون يأخذون على عواتقهم تعيين موظفين مناسبين، أي موهوبين في مجالاتهم و "نطاقاتهم" الوظيفية، ثم تمتينهم بتنمية قدراتهم، ثم تمكينهم، ما يضمنُ نجاح المؤسّسة ويزيد من متانتها، لا صلابتها. وكما نلاحظ كما يرى "الصمادي" أن التمتين دائماً يسبق التمكين. كما أن الصلب – كما يقول - قابل للكسر، ومن ثم فإن وضع الموظف غير المناسب، في المكان المناسب وتدريبه، يقوده إلى أداء متوسط أو جيد أو حتى قوي، ولكن لا يدفعه لمضاعفة الأداء والتميز الرشيق.

ومع جائحة كوفيد-19 وكورونا المستجد، قادنا الحديثُ إلى كيفيّة تعامل المؤسسّات والحكومات مع المستجدّات غير المتوقّعة، وضرورة تفعيل مفاهيم ومنهجيات الرّشاقة المؤسسية في كل المجالات.

ثم انتهينا إلى القول بأنّه يجب الجمع بين منهجية المتانة ومنهجية التّمتين كأدوات لتحقيق الرّشاقة المؤسّسية في الحكومات، وكاستراتيجيات لاستدامةِ نجاحها. فعند مواجهة المؤسّسة الرشيقة لحدث غير متوقع، نجدها جاهزة لاقتناص التّغيير وصُّنع فرص مناسبةٍ، حيث تكون مستعدّة برشاقة ومتانة موظفيها الممكنين، فتنحو لتوظيف مواهبهم بالاستشعار، ومضاعفة أدائهم عشرات الأضعاف بالاستشعار، وتمكينهم تلقائيا -كفرق وأفراد- من الابتكار. ثم استنتجنا السبيل الواضح والمُباشر الذي يُمَّكِن المؤسسات الرّشيقة والرَّاسخة من الصمود ثم التكيف من خلال الجرأة والسّرعة في اتّخاذ القرار.

نعم، تُشَّكل نظريّات "المتانة" Antifragile" والتّمتينTamteen"" والرّشاقة "Agile" المؤسسية، مجتمعةً - ومن وجهة نظري - عواملَ فعّالةً وأدواتٍ متكاملةُ لمواجهة تقلبات عالم الفوكا ومفاجآت المستقبل؛ استعداداً لمُستقبلٍ جديدٍ، ولصُنع عالم أفضل. خلاصة كتاب "المتانة: كيف تستزيد وتُفيد من الضغط الشديد – نسيم طالب، 2013".

كما أن شدّة التّعقيد في "عالم الفوكا" وما ينطوي عليه من عدم يقينٍ وغموض في ظل أزمة كورونا، تجعل من الضروري أن ترسم الحكومات والمؤسسات لنفسها سُبلاً جديدةً؛ ذكيةً ومتكاملةً للتعامل مع كل المتغيّرات، بما في ذلك تطوير السياسات، ونشر ثقافة الرشاقة الحكومية، ووضعها موضع التطبيق. خلاصة كتاب "عشرة دروس لعالم ما بعد كورونا: كيف نصنع عالماً آمناً – فريد زكريا، 2020".





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :