تراجع كبير شهدته تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر للمملكة عام 2023. هذا ما تشير له إحصاءات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (UNCTAD) وتؤكده إحصاءات البنك المركزي الأردني.
الاستثمار الأجنبي تراجع من 1.3 مليار دولار عام 2022 إلى 850 مليون دولار عام 2023، بنسبة انخفاض تناهز 33%.
صحيح أن الاستثمارات الأجنبية في العالم والمنطقة انخفضت عام 2023 بواقع 2% و9% على التوالي. ولكن الانخفاض في الأردن جاء أكثر حدة بمراحل.
كما أن الانخفاض في الاستثمارات المتدفقة للأردن ليس محصورا بقراءة سنوية يمكن ردها لتذبذبات وتقلبات موسمية.
فالاتجاه العام الأوسع لهذه التدفقات يشير إلى تراجع غير مريح، مقارنة بأداء قوي للمنطقة خلال السنوات الثلاثة المنقضية.
المقارنة بين معدل الاستثمارات الأجنبية الواردة للأعوام 2021-2023 مقارنة بالأعوام 2017-2019 تظهر تراجعا في الاستثمار الأجنبي في الأردن بواقع 27% مقارنة بنمو إيجابي للاستثمارات الأجنبية في منطقة غرب آسيا بأكثر من 80% بين نفس الفترتين.
هذه الفجوة الكبيرة في الأداء بين الأردن والمنطقة لا تشير فقط إلى مشكلة في استقطاب الاستثمارات، إنما أيضا في قدرة الاقتصاد الأردني على تكوين حلقة متصلة مع اقتصاديات المنطقة على صعيد التجارة والاستثمار.
الابتعاد عن جلد الذات والمبالغات السلبية أمر مهم عند التعاطي مع الأرقام والاتجاهات السابقة. ولذلك، يمكن القول بأن العوامل الخاصة ببعض الاقتصادات والقطاعات ربما لعبت دورا في فجوة تدفقات الاستثمار الأجنبي على مستوى المنطقة.
ويمكن أيضا القول بأن الاستثمارات لا تعتمد فقط على القيمة بل أيضا على النوع، من حيث قدرتها على التوظيف والتصدير. فلا يمكن مثلا المساواة بين استثمار لبناء مجمع تجاري واستثمار لإنشاء مصنع للسيارات أو الأدوية أو الأسمدة.
ولكن حتى بعد مراعاة جميع هذه الاعتبارات، تستحق أرقام الاستثمار الأخيرة وقفة صادقة ومعمقة، بعيدا عن التوظيف المعتاد لهيئة أو وزارة الاستثمار ككبش فداء، في مغالطة تشبه الخلط المستمر بين دور وزارة العمل ومسؤولية الحكومة عن معالجة البطالة وخلق فرص العمل.
نحتاج بكل تأكيد إلى العودة للجذور عند التعاطي مع تحديات جذب الاستثمار.
فنحن في الأردن وقبل كل شيء نفتقر للسيولة السوقية التي يحتاجها المستثمرون للدخول والخروج السلس غير المكلف عند الاستثمار. سوقنا المالي غير فعال ولا يستقطب الاستثمار الخارجي. وسوقنا العقاري يعتمد على آليات الوساطة التقليدية البطيئة، في ظل غياب واضح لصناديق الاستثمار وآليات صناعة السوق.
هذا طبعا إلى جانب تحديات كلف الضرائب والطاقة، دون وجود حوافز تفضيلية موجهة للقطاعات الفرعية الأكثر تنافسية.