ذات مرة وعندما كنت طالبا في الجامعة الاردنية قبل نصف قرن من الزمان كنا ندرس مساق " مجتمعات عربية " مع المرحوم الدكتور عبدالله لطفية الذي امضى معظم حياته المهنية أستاذا لعلم الاجتماع في الولايات المتحدة وقد عاد للمنطقة العربية ليكون قريبا من والدته التي تقيم في بيتين في فلسطين المحتلة .ومع انه لا يزورها الا في العطل الجامعية الا ان احساسه بالقرب الجغرافي اسعده كثيرا ...
في اول لقاء له بالطلبة المسجلين في المساق قدم نفسه لنا وطلب الينا ان نقدم انفسنا .وما ان جاء دوري ونطقت بكلمة طفيلي حتى تبسم بعض الزملاء وهمهم احدهم بضحكة أعلى من ابتسامات الزملاء الذكور في حين لم تظهر الصبايا اي استجابة سوى استغراب الابتسامات .توقفت قليلا ونظرت للزملاء وقلت "بعد انتهاء المحاضرة راح احكيلك نكت طفيلية "
خجل الذين ضحكوا من تصرفهم ..وتدخل الدكتور لطفية ليقول انا لم أقل لكم بعد " اني طفيلي فاصلي من الطفيلة و اعتز كثيرا بهذا النسب فعشيرتي الجرابعة" ونظر الي وقال اريد ان اتواصل مع اقاربي في الطفيلة فهل تعرف أحدا منهم . اراحني هذا التدخل واوميت براسي نعم اعرف غالبيتهم فهم اهلنا واقربائنا ونرتبط معهم بعلاقات وثيقة فالحاج سلمان الجرابعة صديق والدي والأستاذ ابراهيم يحي الجرابعة احد اهم المدرسين لنا في الصفوف الابتدائية...وتقيم عشيرة الجرابعة في منطقة الدويخلة او مدخل مدينة الطفيلة وهم أناس كرماء وأهل مروءة ونخوة.
الحديث الثنائي مع الاستاذ لطفية أسهم كثيرا في تغيير ايقاع المحاضرة وشد اهتمامات الطلبة بعد ان تحول الحديث عن أناس حقيقين وعن صلة الفرد بالجماعة وليس عن افكار ومصطلحات فيها من التجريد ما يبعدها عن اهتمامات السامع ويغرب السامع عنها...
استأذن احد الزملاء الاستاذ ليسأله عن اسباب نسبة النكت الى الطفايلة واستخدام كل من يريد أن يلقي بنكتة باللازمة التي تقول "مرة واحد طفيلي ...." أشار الاستاذ لطفية الا ان ذلك يأتي في باب التنميط والصور الذهنية والصفات التي يبتدعها المجتمع ويلصقها بالجماعات والافراد دون أن يتحقق من حقيقة وجودها . المدهش ان التفاعل الرمزي بين من تلصق بهم الصفة ومن يصفونهم بها تتطور لتتماشى مع الصورة المرسومة.
صحيح ان مستوى الدهشة لدى الطفايلة مرتفع جدا ويعبرون عنه بكلمة " ييه" او "وشوه هاظا" لكنها دهشة مشبعة بالصدق والعفوية وتعبر عن انك أمام انسان باعلى تجليات الانسانية فهو لا يتصنع ولا يتجمل ولا يكذب ولا يزور المشاعر .. هو إنسان غير دبلوماسي ولا يحب ان يكون.
بعد اسبوع كنت في الطفيلة وتواصلت مع ابناء المرحوم سلمان الجرابعة ومع العم المرحوم يحي الجرابعة وقد سألت عن الاستاذ ابراهيم والذي اظن انه كان معايا لاحد الدول العربية فتواصلوا مع استاذنا الدكتور لطفية ودعوه الى الطفيلة واقام عندهم بضعة ايام وكان مسرورا بهذا اللقاء الذي اتضح له التواصل مع اقاربه. اعتقد انهم عرضوا عليه أرضا في أحسن مواقع الطفيلة ليقيم بيتا له بينهم .
ما أردت أن أقول بعد هذه المقدمة وبلا مزاودة على احد فكل اهل الاردن خيار ان للطفايلة خصائص لم تبدلها الايام فهم يحبون عروبتهم ويؤمنون كما يؤمن كل شرفاء الامة بأن عليهم واجب لا يقبل التسويف او التأجيل وان المراجل فطنة فعلاقتهم بقضايا الوطن والأمة علاقة حب وانتماء ومسؤولية فلم يتخلون عن واجب ولم يخفروا ذمة ولم يقولوا الا ما هو حق ولا يفتروا على احد
منذ وقت غير بعيد كتبت احدى الاخوات الجليلات ناصحة للامهات بأن يكررن ما استطعن مقولة " مرة واحد طفيلي " مهما كان الموضوع وخصوصا عندما يشرحن المعاني والقيم السامية التي نعتز بها كاردنيين وعرب ..لان كل معاني الرجولة والصدق والنخوة والايمان والعزة متأصلة في أقوال وأفعال هؤلاء القوم ...
وفيما يخص علاقة الطفيلة وحي الطفايلة بغزة فهي علاقة توأم فالطفيلة هاشمية وغزة هي غزة هاشم.