الاردن ما بين الحركة الشعبية الإصلاحية وثورة المعارضة
يوسف ابو الشيح الزعبي
24-04-2011 04:32 PM
الأردن شأنه شأن كافة دول المنطقة التي خرجت فيها القوى الشعبية والسياسية والحزبية، مطالبةً بإصلاح الواقع المتردي والمحزن للمواطن العربي، عبر جملة من التغييرات السياسية والاقتصادية وفي مضمون العلاقة بين الحاكم والمحكوم. هذه العلاقة التي نظمتها ضمن قواعد أصيلة الشرائع السماوية قبل السنن الكونية والصنيعة البشرية.
في المنطقة العربية كان تأثير قرون الانحطاط والظلام العثماني وما تبعها من مخططات إستعمارية أجنبية قسمت المنطقة العربية ونهبت خيراتها، بل كانت مسؤولةً عن معاناة أبناء المنطقة ودخولهم في حروب وصراع مرير مع اليهود، نتيجة إستباحة الأرض المقدسة وإهدائها لأعداء الأمة دون وجه حق، ابتداءاً من وعد بلفور عام 1917 بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وما تبعها من توفير البيئة المناسبة للهجرات اليهودية إلى الأراضي العربية الفلسطينية وحمايتهم وتوفير الدعم المادي والعسكري لتشكيل نظامهم الصهيوني الدخيل ، حتى أعلن عن تشكيل الكيان الإسرائيلي في عام 1948، وقد استلمت الولايات المتحدة زمام المبادرة من بريطانيا وفرنسا في الحفاظ على أمن واستمرار إسرائيل، اضافةً الى حماية مصالحهم الاقتصادية في المنطقة سيما امدادات النفط.
لقد تدخلت الدول الاستعمارية آنذاك في تحديد طبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم والأنظمة السياسية العربية، لذا كانت الفجوة بين الحكام والشعوب واضحة، وكانت مطالب وطموحات الشعوب العادلة تصطدم دوماً عند أسوار الحكام وتذهب أدراج الرياح، فلا تجد آذانا مسؤولةً صاغيةً، فضلاً على أن كافة قنوات الاتصال مع الحكام موصدة، مما أدى إلى تردي أوضاع المواطنين العرب على كافة الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية حتى الدينية وظل عطاء الشعوب معطل، وبالمحصلة انهزمت الشعوب العربية من الداخل، وانتقلت أشكال الضعف والهزيمة إلى كافة المستويات إبتداءاً من الفرد العربي إلى الأسرة إلى الشارع إلى المدرسة إلى الجامعة وهكذا إلى المجتمعات والامة العربية نفسها، فتوقف لديها الإنجاز والإبداع بعدما قادت البشرية على مدار قرون مزدهرة انقضت، وتخلفت الأمة عن الحاق بما قدمته وما زالت تقدمه الأمم والشعوب الأخرى من اختراعات وتكنولوجيا تخدم البشرية.
أنه واقعنا يجب أن نقر به حتى نعرف أين نحن والى أين سائرين، إذا أردنا أن ننشد الحياة الكريمة والعزة للأمة ونعيد أمجادنا التي كنّا عليها، بما ارتضاه لنا الخالق عز وجل، كخير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر بإتباع المنهج السماوي العادل البنّاء وليس الهدام للبشرية، كما تحاول أن تمارسه بعض الجماعات المتشددة وتصوره الأطراف الخارجية من أعداء الأمة.
هذا الأمر يجعلنا نتوقف باهتمام وتساؤل حول مدى قدرة ثورات الشعوب العربية التي نجحت نتيجة الأوضاع المتردية لديها، بالخروج على حكامها لتغيير أنظمتها، فهل الشعوب العربية ناضجة بالقدر النجاح الذي استطاعت من خلاله تغيير الحكام إلى إيجاد صيغة وعلاقة جديدة مع الحكام تحقيقاً لرغبات الشعوب وطموحاتهم والتي ترتكز في مجملها على الحرية والاستقلالية واستغلال الموارد والإمكانات الهائلة بشكل أمثل وعادل والقضاء على ظواهر الفساد في مختلف المجالات والمستويات؟
في ظل كل الظروف الداخلية المحبطة والعوامل الخارجية التي تضغط باتجاه معاكس حفاظاً على مصالحها، فإن رأينا بأن نجاح هذه الصيغة بحاجة لمراجعة كلاً منّا نفسه بدايةً وإصلاحها مما يشوبها، سيما من الاعتقاد بأنه فرد لا يستطيع أن يؤثر في مجتمع وأمة، فالإصلاح لا بد أن يكون على مستوى القاعدة الشعبية، "كلكم راعٍ وكلكم مسؤولاً عن رعيته"، كما أن كلنا يشكل في ذاته حاكماً ومحكوماً، فإذا أُصلحت هذه الصيغة المنطلقة من القاعدة الشعبية، فإن النجاح سيشمل كل مجتمعاتنا وأمتنا العربية الأصيلة.
وبنظرة سريعة إلى طبيعة الأنظمة العربية التي ما زالت تحقق إستقراراً ورفاهيةً لشعوبها، مقارنةً بالحكام والأنظمة المهددة وغير المستقرة، نجد أن تأثير العوامل الخارجية في تحديد طبيعة هذه الأنظمة وعلاقة الحاكم بالمحكوم أخف وطأةً ، كما هو الحال في مشيخات الخليج التي تطورت إلى مدن ودول مجلس التعاون الخليجي العربي، فأنظمة هذه الدول انبثقت من الواقع العربي والإسلامي لشعوبها ضمن إطار "أولي الأمر" وبطانة شعبية مسؤولة تتجسد فيها قنوات الاتصال والنصح والمشورة، ضمن التقاليد والعادات العربية الأصيلة وتستجيب لمصالح ومطالب شعوبها، مما أدى الى تحقيق درجات عالية من الولاء والاحترام والطاعة لأولي الأمر.
لقد نجحت أنظمة دول الخليج العربي في تحقيق الرضى ومنها الرفاهية لشعوبها، وما زال الانسجام والتواصل البنّاء بين الحاكم والمحكوم لديها، بإستثناء البحرين التي تحاول قوى خارجية التدخل في شؤونها الداخلية لتأجيج الصراع المذهبي(السني الشيعي). وتقترب من حالة دول الخليج كلاً من الأردن والمغرب على الرغم من بعض العوامل الخارجية التي ساهمت في تشكيل المؤسسات الدستورية الديمقراطية لديها على الطريقة الغربية، إلا أنها ما زالت غير فعّالة، بسبب تداخلها مع الاعتبارات والمنظومة الاجتماعية التقليدية والتي تقدم مشاعر الولاء والطاعة للحاكم (أولي الأمر)، كذلك لاعتبارات الشرعية الدينية. ومن هنا يمكن تفسير بأن الشعبين في هاتين الدولتين لم يتحركا سوى لمحاربة الفساد بأشكاله والبطانة غير الصالحة حول الحاكم.
وقد تجلى ذلك على نطاق واسع من خلال مطالبة الحركة الشعبية الأردنية بمختلف أطيافها وقواها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بإصلاح كافة المؤسسات ومحاسبة الفاسدين فيها، والحفاظ على مقدرات ومكتسبات الوطن من مشاريع وأراضي، فضلاً عن التراجع في خصخصة القطاع العام، وإعادة نظام رعاية الدولة.
في ظل هذه الأوضاع والحركة الشعبية الأردنية الإصلاحية والتي في جلها اقتصادية معيشية، نشطت المعارضة الأردنية وركبت الموجة مستغلةً في ذات الوقت نجاحات الثورات الشعبية العربية - التي قادتها قوى وفئات شعبية غير المعارضة التقليدية- وتجرأت المعارضة الأردنية لتطالب بأمور لم تكن في القاموس والمعادلة ما بين النظام والمعارضة، وفي نواياها تشكيل حكومات منتخبة من حزب الأكثرية على الطريقة الغربية، بهدف الاستئثار بالصلاحيات والسلطة وهم ليس بأكثرية المجتمع، كما أن المجتمع الأردني لا يرغب بالطريقة الغربية للحكم، فهي صيغة دخيلة وأخطأت المعارضة في ثورتها وركوبها الموجة لأن ما يجري في الأردن ما هو إلا حركة شعبية إصلاحية لما يحيط بالنظام وليست ثورة شعبية على النظام على غرار ما جرى ويجري في بعض دول المنطقة العربية.
على المعارضة أن تدرك بأن كافة الأردنيون مدينون لحكم الهواشم ولا يريدون بديلاً له، لأن ببساطة الملكية تعبر عن واقع المجتمع الأردني العربي والإسلامي، فهي صمّام أمان الأردن وحاضرة ومستقبله.
يوسف ابوالشيح الزعبي
كاتب ومحلل سياسي أردني
yousefaboalsheeh@hotmail.com