كان المسؤول في الأمس القريب ؛عندما يدخل الوظيفة ويخرج منها ، لا تظهر عليه إلا نعمة ربه ،ومن دون أي زيادة أو نقصان ، ولم تكن تظهر عليه نعمة الوظيفة بامتيازاتها " المتخمة " ،فتجده يعيش في منزل متواضع طوال خدمته في الغالب ب " الأجرة "، ومن بعدها أيضا ، فلا تظهر عليه أي شواهد، إلا أمانة المسؤولية وصدق الإنتماء للعمل الوظيفي .
يضطر المسؤول بعد ترك الوظيفة التوجه إلى قريته أو الانتقال إلى بيت أكثر تواضعا من ذي قبل ، ليتمكن من توفير حياة كريمة لعائلته في ضوء الراتب التقاعدي ،الذي يتقلص نظير الالتزامات التي تترتب عليه كونه أصبح مرجعية لأبناء منطقته ، وحتى يتمكن من إدامة الحال..
نترحم ونحن نتذكر مسؤولي أيام زمان ، على شهيد الأردن وصفي التل ، ومن يعرف داره التي تحولت بعد وفاة زوجته سعدية الجابري إلى متحف ، يتأكد أنها الشاهد الحقيقي على نزاهته ، فقد بناها غرفة غرفة ، وكلما توفر له المال ، قام بتوسعتها بإضافة غرفة أخرى ، حسب مقدرته حتى اكتملت .
وكان المرحوم يقضي أوقات الفراغ - ما بعد الظهيرة - في زراعة الأرض التي تحيط المنزل ، وعندما يدعو أحدهم لتناول الطعام في منزله ، لا يقدم سوى صنفا واحدا ، يلحق به صنف من الفاكهة أو من الحلويات ، ويخير الضيوف بعدها شرب الشاي أو فنجان من القهوة.
أما نظرائه في يومنا هذا فإن " الفلل" أو" القصور" تعكس صورا مغايرة لما كان ، عدا عن السيارات الفارهة للزوجة أو الأبناء ، وكذلك الأرصدة البنكية ، والمصانع والشركات التي يمتلكونها و .. و ..، كلها تعطي صورة حقيقية و" مثلى " للاستثمار الوظيفي في يومنا هذا الذي يلحق الأذى بالشعب .
وكلنا يعرف منزل المشير حابس المجالي، الذي عاش ومات به بعد أن ترك معسكرات الجيش في محافظة الزرقاء .. "واضطر ورثته لبيعه للاستفادة من ثمنه بتوفير ثلاث شقق سكنية ، ولم يتمكنوا من الاحتفاظ به لقله ما ورثوه عنه "، حسب قول حفيدته التي عللت سبب بيع منزل جدها إلى أمانة عمان ، لتعرضه للسرقة ، في محاولة منها للرد على من تحسفوا وشعروا بغصة لبيع منزل رمز وقائد عسكري ، والذين طالبوا بتحويله إلى متحف وطني لقائد عسكري قاد معارك وانتصارات يفتخر ويعتز بها الأردنيون جميعا.
أما نظرائه اليوم فانهم يمتلكون فللا وقصورا أصبحت معلما للتوصيف ، إذا أردت أن تدلل شخصا على مكان ما ، توصفه بجانب فيلا قائد الجيش السابق والسابق والسابق وربما اللاحق ....
وقد وصل الأمر لاحد " القادة " أنه تم شراء منزل له في احدى المناطق الراقية وتم إجراء صيانه سريعة للفيللا وتأثيثها استمرت اربعة أيام ولياليها متواصلة ، إلى أن سكنه وعائلته ، " صحتين" ، أليس الأجدر أن يأوي ذلك المسؤول وعائلته ، منزلا وظيفيا يحل به خلال توليه ذلك المنصب ، لنوفر النفقات التي تتكرر مع التعيينات .....وبحكوا في محاسبة ؟! .
والأدهى من كل ذلك وذاك ، انه بعد تحسين الوضع ، يتعود المسؤول على الوضع الجديد ، وليضمن استمراره ، يحرص ان لا يتغير الوضع من خلال انتهاجه طرقا عديدة غير مشروعه ، كما ظهر لنا أول أمس خبر مفاده أن القائد السابق لجهاز أمني حصل على رشوة مقدارها تسعة ملايين دولار من تاجر نفط امريكي ، مقابل تسهيل استخدام الأراضي الأردنية لنقل الوقود إلى القواعد الأميركية في غرب العراق...
وفي القريب تم بيع منزل / فيللا / قصر .. " سمه ما شئت" ، لمسؤول تسلسل بوظائف بدأها براتب 300 دينار ،وانتهى براتب وزير عندما كان يعمل رئيسا للديوان الملكي لا يتجاوز ثلاثة الآف دينار شهري ، ليبيعه بعد ذلك بمبلغ 12 مليون ، " الله بعوض " .
وعلينا أن لا ننسى أول محكمة عقدت لمحاكمة قائد جهاز المخابرات الاسبق " البطيخي" ، والحكم عليه بالسجن داخل الفيللا الخاصة به في مدينة العقبة ، بعد إدانته في قضية فساد تتعلق بتسهيلات بنكية بلغت قيمتها نحو 300 مليون دينار، حكم عليه بالحبس آنذاك مدة ثلاث سنوات وغرامة مقدارها 17 مليون دينار.
لكن من قال أنه يجب أن يمتلك السابق أو الحالي فيلا ! ويكبد خزينتنا "العاجزة" مبالغ طائلة تحت بند (تحسين وضع ) ، هل المسؤول يحتاج إلى تحسين وضع ؟
وما بال المواطن ، ألا يحتاج إلى تحسين وضعه أيضا ليتمكن من تحمل الأعباء الجديدة حاله حال المسؤول ؟!.
سهير جرادات
Jaradat63@yahoo.com