فوبيا يوم الجمعة ورهابها وإرهابها !!
عاصم العابد
24-04-2011 04:21 AM
قال لي صديقي اليمني: كل يوم جمعة، استيقظ مبكرا على غير العادة، وأصلي الجمعة في مسجد الكالوتي، ويغفر لي ربي، انني اكون ذاهلا سارحا، جسمي في عمان وعقلي وقلبي وحواسي، كلها في صنعاء، كل يوم جمعة يمر عليّ اسوأ من كل الجمع وكل الايام التي سبقته، يرتفع ضغط دمي ويرتفع السكر عندي وتعوف نفسي الطعام واصبح عصبيا اتشاجر مع خيالي وزوجتي وابنائي، لأتفه الاسباب، حيث الوم نفسي لوما شديدا عندما اصحو من (فوبيا) يوم الجمعة ورهابها وإرهابها.
قال لي صديقي اليمني انه منذ 70 يوما و10 ايام جمع، وهو يتمزق ويتألم، ويعيش في عزلة، يتحاشى الاصدقاء والاقارب، ويهرب من اسئلتهم حول اليمن، الحاضر والمستقبل، لأنه لا يعرف ولأنه لا يريد ان يخدع احدا.
وقال لي صديقي اليمني ان كل اليمنيين بدون اي استثناء، هم على شاكلته يخشون على اسرهم وذويهم واقاربهم واصدقائهم، ويخشون على وطنهم ووحدته الوطنية ولحمته، ويخشون على مصالحهم وارزاقهم.
اقسم لي صديقي اليمني، الذي كان يجهش بالبكاء، انه يتمنى ان يضحي بروحه، لو كانت تلك التضحية تنقذ اليمن من مأساته وكارثته، ومن التسونامي التي تزلزله وتهدم اركانه، وقال لي انه تنفس الصعداء لأول مرة، وفرح من قلبه، يوم الجمعة الماضي، لأن عمّان لم تخرج الى التظاهر، ولأنه لم يحدث اي اشتباك او احتكاك في شوارع عمان الغالية وفي دواويرها وميادينها.
وقال لي صديقي اليمني، انتم الاردنيون - الأحب الى قلوب اليمنيين-، لا تعرفون الكارثة الكبرى والطامة الماحقة التي تنجم عن التظاهر والتصادم، وتعطيل الحياة وشللها في البلد، بما فيها من مدارس وجامعات ومصانع ومتاجر ومزارع ومصالح، وبما تنطوي عليه من فرص تقتيل وتدمير وخسائر وضحايا.
قال لي صديقي اليمني، ان عدم خروج الاردنيين في مظاهرة أو مسيرة، يوم الجمعة الماضي، رغم حقهم المطلق في التظاهر، هو علامة نضج ودلالة رشد، ينبغي ان تقابله الحكومة بالتقدير، وان تضاعف اهتمامها بمطالب المواطنين، وان تذهب الى الحد الاقصى في تلبيتها، وان تسرّع اجراءات الاصلاح السياسي والاقتصادي، وان تحمد الله على المعارضة الاردنية الراشدة المسؤولة، وان تعيد النظر في اسلوب التعامل معها، وان تشركها وان تسترشد بمقترحاتها، وان تحترمها الاحترام الكبير، المتناسب مع درجة نضجها واحساسها الرفيع بالمسؤولية.
قال لي صديقي اليمني، الذي يعمل خبيرا مع احدى المؤسسات الدولية في الاردن، لقد تضررت سياحتكم، التي هي بقرتكم الحلوب وحقلكم الخصيب، وقال لي ان دين الاردن العام ارتفع ومعدل البطالة ارتفع خلال الاشهر الثلاثة الاولى من عامنا هذا، بحيث خسر وظائفهم، عشرون الف مواطن، وقال ان نسبة الفقر ارتفعت، وان تحويلات الاردنيين من الخارج انخفضت بنسبة 18 بالألف، وان التصنيف الائتماني للاردن تغير وانخفض، كل هذا تم، وانتم على ضفاف الكارثة، توصدون ابوابكم في وجهها.
وختم صديقي اليمني، والهزال نافر من وجنتيه، لقد كنتم اذكياء وواقعيين ومنتمين، حين شكّلتم لجنة الحوار الوطني، لتضم كل القوى السياسية الاردنية، وكانت تلك القوى راشدة وناضجة، اذ شاركت في تلك اللجنة، التي هي موضع مراقبة العرب كلهم، ليحذو حذوها ان نجحت، وليعرضوا عنها ان هي اخفقت.
قلت لصديقي اليمني الحزين، الحكمة يمانية، وقديما قلتم: "من نظر في العواقب، سلم من النوائب".
Assem.alabed@gmail.com
عن الراي.