جثث في كل مكان .. هذا ثمن الحرية
حسين الرواشدة
24-04-2011 04:12 AM
وحده الرئيس السنغالي اعترف امس بانه على استعداد للرحيل فورا عن السلطة اذا خرجت الجماهير الى الشارع وطلبت منه ذلك، اما في بلادنا العربية، فلا احد يفكر في التنازل عن «كرسيه» الا اذا خلع منها بالقوة، حدث ذلك في مصر حين تدخل «الجيش» واجبر مبارك على التنحي، وقبلها في تونس حين اثار الجنرالات الرعب في «قلب» ابن علي، فهرب الى الخارج.
اخر ما يفكر به هؤلاء -اذن- هو الرحيل حتى لو امتلأت الساحات بجثث الشعوب المسكينة التي تهتف «للحرية» وقد امتلأت فعلا، حتى انه يخيّل اليك ان عدد الذين سقطوا في معركة «الاستقلال» الثاني او الذين سيسقطون لاحقا، سيكون اكبر من عدد آبائهم واجدادهم الذين دفعوا ارواحهم ثمنا للتحرر من احتلال «الاجنبي».
بمقدورك ان تحدّق في جثث «شهداء» الحرية، ان تسأل العيون التي ما تزال مفتوحة، والشفاه التي حافظت على ابتسامتها، والاشلاء التي تناثرت، هل تستحق «الحرية» هذا الثمن الذي دفعوه؟.
امس، امضيت ساعات طويلة اتأمل في الصور: ثمة جدارية في ميدان التحرير بمصر لمئات الشهداء الذين سقطوا في الشوارع، ثمة جدارية اخرى في سوريا اقامها المحتجون في «الجمعة العظيمة» وثمة جداريات لم تنتصب بعد في ليبيا واليمن وغيرهما من بلادنا التي تخوض معركة «الحرية» ولم تحسمها بعد، يا الهي، كيف يمكن لشرعية الحكم ان تظل واقفة وقد انتصبت شرعية الدم؟ كيف يمكن للانظمة ان تنام في «السلطة»، والشعوب تمضي بلا خوف نحو «المقصلة»؟ كيف يمكن «للحرية» التي غابت طيلة هذه العقود ان تخرج من المقبرة فيضحي من اجلها الناس بأرواحهم الغالية؟.
حتى الآن ثمة كثيرون.. زعماء ونخباً ومتفرجين، لا يصدّقون بان «اشواق» الحرية خرجت من «قمقمها» وبأن ارواح الناس قد استنشقت هواءها، فما عادت تحتمل ان تتنفس غيره، حتى الآن ثمة من يستهزىء ويشكك بكل شيء، ترى.. هل كثير على الانسان العربي ان يعيش حرا؟ وهل كثير على الانظمة التي تحملتها شعوبها عشرات السنين واحتملت قمعها وهزائمها وفسادها ان تتحمل هذه الصرخات التي خرجت تريد «الحرية فقط»؟.
الآن، الشعوب تدرك بفطرتها السليمة، ان الطريق الى الحرية ليس معبداً بورود التصريحات والوعود الرسمية، ولا «بوصفات» الاصلاح التسكينية، ولا بأوهام عطايا السلطة واكراميتها الطارئة، وانما معبدة «بالجثث» المقطعة، وبنيران «البلطجية»، وبفزاعات «الفتن» والمؤامرات الخارجية، وهو -بهذا- طريق «وعر» ومحفوف بالمخاطر، لكن لا مفر من العبور، ولا حكمة في التراجع، ولا حقوق بالمجان، ولا سبيل للقاء على كلمة سواء.
حين تدفع الشعوب «دمها» ثمناً لحريتها المسلوبة، ولا تفزعها الجثث التي تسقط على الارصفة كل «جمعة»، فتلك ابلغ رسالة يمكن ان تصل لهؤلاء الذين ما زالوا يتشككون في «براءة» هذه الاحتجاجات، او اولئك الذين ما زالوا يصرون على «الصمود» في السلطة حتى آخر مواطن، او غيرهم ممن قايضوا -وما زالوا- الامن بالحرية، والرغيف بالكرامة، او استهانوا «بارادة» العربي وقدرته على «التغيير»، هذا الذي كدنا نصدق بانه لن يأتي على دبابة الاجنبي، او باشارة من اصابعه الطويلة!.
(الدستور)