facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الموت جوعا ..


د. صبري ربيحات
27-06-2024 12:34 PM

لفترة طويلة من حياتي كنت أظن الجوع كائنا متخيلا مثل الغول والمارد والشبح وكنت كلما اسمع واحدا من الاهل او المعارف يقول "انا ميت من الجوع" اتخيل ان هذا الكائن الاسطوري المسمى "جوع" قد ظهر في خيالات الشخص وابتلعه ثم ما لبث ان عاد للحياة عندما رحل الجوع.. او انه قد لمحه فاخافه.

كنت كما كان غيري نعاني من نقص الغذاء وكنا نشعر بالحاجة الى الطعام وكنا نعرف معنى الامتلأ لكن الجوع والشبع مفاهيم تعبر عن شعور او احساس يشبه النقص او الامتلأ لكنه مختلف فهو اكثر من هذا التوصيف الكمي. أنه مثل الخوف والهلع والكراهية والحب والحسد والنكايات والغيرة اشياء نسمع بها ولا نراها. نتخيلها بطريقتنا الخاصة وتاخذ مداها في بنائنا المعرفي ربما بأشكال ودلالات ودرجات مختلفة.

مثل مفاهيم الخبث والكراهية والحسد والنفاق والنذالة التي نستخدمها لوصف بعض اشكال التصرف والاستجابات التي يبديها البعض نتحدث عن الجوع والشبع والاخلاص والانتماء وكذلك الكرم والبخل والجد والعطاء.

احدى اهم وظائف التعليم والتدريب تتحقق ونحن نحاول اكساب الافراد القدرة على ترميز المحسوس وتفكيك الرموز لتقريبها لاستيعابنا فالمسافة بين المحسوس والمجرد والملموس والمتخيل قد تضيق وقد تتسع تبعا لمستوى التعليم والتدريب وطرائق الترميز والتواصل وتفكيك الرموز.

قبل اعوام كنت منشغلا في اعداد وتقديم برنامج حواري على الشاشة الوطنية وكنا نناقش الطرق والاساليب التي يتواصل فيها الاباء والأمهات مع الابناء في المراحل العمرية المختلفة وبمشاركة الابناء والمختصين..

في تلك الفترة روت لي احدى السيدات التي شاركت في البرنامج انها خرجت مع أطفالها الى التنزه في ريف عمان واثناء توقف العائلة صادفوا حمارا يقف على جانب الطريق. وقتها حاولت الام لفت أنظار أطفالها الى الحمار قائلة "اطللعوا ماما شوفوا هذا حمار" وما كادت تنهي الام جملتها حتى نظرت اليها ابنتها ذات العشرة سنوات وهي تضحك وتقول "لا يا ماما هذا كلب طويل.. ماما ما فيه شي اسمه حمار.. الحمار مسبة"

روت لي الام ما حدث مع طفلتها فلم اعرف ماذا أقول. لكني تذكرت قول اهالينا "كل عقله في رأسه مدينة"

في دهاليز عقولنا الخفية التي تصنع الأحداث والاستجابات غرف للبيانات والتحليل ووضع الاستراتيجيات للهجوم والدفاع والخداع والتحايل والكذب والتضليل. وما المفردات والقصص والروايات والشعارات والحكم والتاريخ والقوانين الا أسلحة للدفاع عن الذات وبناء المكائد وحياكة الخطط للانقضاض على مصادر الخوف والتهديد او العوائق التي قد تقف في وجه التنفيذ للخطط التي ينوي احدنا تنفيذها.

بحيازته لمخزون هائل من المعلومات والرموز وامتلاكه القدرة على الترميز والمعالجة لها والمهارة في إعادة الصياغة والتحوير يستطيع الإنسان أن يوظف كل ذلك في خلق الاسس والمبررات والدوافع لعمل اي شيء وفي أي اتجاه فيستطيع القيام بابشع الأعمال فيلبسها اطار الخير والفضيلة والفداء والحق.. ويستطيع ان يبني رواية تشيطن كل ما لا يتفق مع رغباته واهدافه واعتبارها أعمال شيطانية وخبيثة.

في عيون الناظرين الاشياء مثل السراب الذي يبدو للبعض حقيقة وللبعض الاخر مجرد ايحاء بصري بوجود ما يشبه الماء من بعيد لكنه يهرب كل ما دنوت منه.

المستقبل مثل الظلام يصعب ان ترى شيء في غياب النور وكل ما يتحرك في المحيط المظلم يخيف واحيانا تكبر الأفكار او الاوهام فيتعاظم الخوف في نفوسنا كلما تأملنا او دققنا في تلك الأشكال فقد تتحول خيالات الأبواب الساكنة الى اسود او نمور تتهيأ لالتهامنا..

الجوع في غزة ليس خيال ولا وهم فهو حقيقة مرعبة وسلاح فتاك يستخدمه أعداء الامة لقتل الشعب واستعراض قوتهم وقدرتهم على استخدام كل الأسلحة لاذلالنا وكسر إرادتنا.... تحيا غزة واهلها ويسقط الجوع ويسقط العدو وكل الذين لا يروا فينا غير كائنات لا تستحق الحياة





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :