قد لا يلام بعض من الشعب العربي إن كان لا يستطيع الخروج من فكرة الفتوحات أو الغزوات أو الحروب ، فعلى عكس الحكومات الغربية التي تقبع في موقع قوة كروسيا التي تغزو بجرة قلم أو امريكا التي تحرك اساطيل العالم بقرار بسيط، يعاني العالم العربي من هوان فكري و ثقافي و تكنولوجي ، هذا الهوان يجعلنا نعيش في سراب من الطموحات التي قد تغرق في فجوة بين الواقع و المتوقع المطلوب.
إن نظرنا إلى قضية فلسطين عبر هذه العدسة الحساسة (عدسة الحرب) ، سنجد بأن الشعوب العربية تطالب الحكومات عبر الشتم و النقد و الحراك و المظاهرات باعلان الحرب على الكيان الاسرائيلي الفظيع مثلا ، هذه المطالبات تنبع من شعور حقيقي و طبيعي بالدفاع عن المظلومين و المقهورين في فلسطين ، لكن هل نحن في موقع قوة لنقدم على الحرب؟
و لنفرض جدلا أنّه في الثامن من اكتوبر أقدمت عمّان و القاهرة و بيروت و بغداد و دمشق و غيرها من العواصم العربية على امطار تل ابيب بصواريخ و قنابل ، و ارسال الجيوش الكبيرة نحوها ، هل هكذا حقا ستتحرر فلسطين؟
ألن تقم حينها جيوش العالم كله بضرب عواصمنا العربية ، و اعادتنا مئات السنوات إلى الوراء لا بل احتلالنا و تجويعنا كما فعلت في بغداد بعد سقوط صدام ، أو في سوريا و ليبيا؟
هل نستطيع حقا أن نواجه العالم؟ و إن استطعنا ، هل نواجه العالم باسلحة صنعها العالم و تهافتنا للشراء منها؟ و إن كنا كذلك ، قادرين على الحرب ، لماذا لم تقم حماس باخطار المحيط للتنسيق ؟ فحجة كشف الخطة ليست مقنعة بقدر ما كانوا يستطيعون المرواغة و ايصال الرسائل دون الكشف الكامل !
لماذا لم نتعلم من تجارب الماضي ، من حروب دخلناها من موضع استقرار و خرجنا منها في خانة السقوط ، أنسينا صدام كيف جعل العراق بعد التماسك و التعليم و الترف الذي أنجزه و يحسب له ، يسقط في مستنقع الجوع و الدَين ، فهل قهر طهران و انهاها؟ و ماذا جنى من دخول الكويت ؟ و هل ضمّت له أو أصبح العراق مدينا لها لعقود؟
السراب الذي نعيشه سببه احتكاكنا الكبير و العالم الصغير ، نرى جيوش الغرب تغزو و تظلم و نريد أن نصبح مثلها و هذا حق لنا لكن ما دام الخلل داخليا لا نستطيع النجاح في الخارج ، لا نستطيع التقدم في القرن الواحد و العشرين بأفكار من القرن الرابع !
الغاية ليست تحقيق منهج استسلامي ينبطح للظلام ، بقدر ما هي صفعة للتفكير ، ضربة لاعادة الترتيب المنطقي للقرارات ، تحرير وطن أو حل مشكلة لا ينبغي أن تدفع فاتورته منطقة أخرى أو شعب آخر دون تفكير ، و للداخل الفلسطيني الذي يريد التحرر و المقاومة ، كيف ستتحرر فلسطين دون اتحاد للشعب؟ أتحرّر شعب انقسم بوجه المحتل يوما؟
فكرة السابع من اكتوبر هي فكرة سامية للمقاومة و الدفاع عن الارض ، عن الانسان ، عن الحق الذي تشتت في الفكر العالمي ، لكنّ فاتورتها لا يستطيع أحد تخيّلها ، فمن أجل يوم واحد من الفرح و النشوة ، ندفع كل يوم نحيبا من دم ، يوم واحد رفعنا إلى قمة الشعور ، و تدحرجت بنا المشاعر إلى قاع الضمير ، لذلك علينا أن نفكر بأنفسنا كعرب قبل غيرنا.
وللأسف نحن الجلاد و نحن الضحية ، فمن يلمع بين العرب تعلّق له المشانق بتهم مختلفة ، من ازدراء للدين إلى الكذب إلى الفساد إلى التخوين ، فممنوع في بلاد العرب التفكير و محكوم علينا أن نعيش بأثواب اجدادنا لا بل أجداد أجداد أجدادنا ، فعقولهم لم تمت.. علينا تقمّصها لنعيش السراب بثقة كبيرة.