التدرّج في المقاعد الحزبية بين الإطلاق والتقييد
خالد سليمان المعايطة
25-06-2024 01:21 PM
عندما أقر المشرع قانوني الإنتخاب والأحزاب السياسية كأحد مخرجات تحديث المنظومة السياسية كان مؤمنًا بفكرة التدرّج في تطوير العملية السياسية، وقد ارتأى أن تكون على ثلاثه مراحل، لاسيما أنه وضع خارطة طريق واضحة بشكل متدرج وآمن ابتداءً من البرلمان القادم. فقد حدد عمرًا زمنيًا يمتد إلى ١٢ عامًا مقسمةً على ثلاث دورات نيابية، وصولًا إلى الهدف المرجو وهو تشكيل الحكومة البرلمانية على أساس حزبي.
وقد جاء في نص المادة (٨/ج) من قانون الانتخاب على أنه: " يخصص للدائرة الانتخابية العامة وفقًا لنظام القائمة النسبية المغلقة (٤١) مقعدًا من المقاعد المشار إليها من الفقرة ( أ) من هذه المادة تُشكل بقوائم حزبية.
فيما جاء بنص المادة (٧١) من ذات القانون على أنه:" يراعى عند انتخاب المجلس النيابي الحادي والعشرين أن تكون نسبة المقاعد المخصصة للأحزاب والتحالفات الحزبية مانسبتة (٥٠٪) حدًا أدنى من المقاعد المشار إليها في المادة (٨/أ).
كما ويراعى عند إنتخاب المجلس النيابي الثاني والعشرين زيادة عدد المقاعد المخصصة للأحزاب والتحالفات الحزبية لتصل إلى نسبة (٦٥٪) حدًا أدنى.
إن عقيدة الإصلاح السياسي مبنية على فكرة التدرج من أجل الاستدامة والاستمرار وتحقيق الغاية، بالتالي تُعطى الأحزاب فرصة لإثبات ذاتها، فهي بحاجة للإنتشار والتعريف بمبادئها ورؤيتها وبرامجها تمهيداً لمحاولة إقناع المجتمع للإندماج في العمل الحزبي.
ومابين الإطلاق والتقييد بالنسبة للمقاعد الحزبية لم تكن نيتهُ المشرع واضحة ، فنراه تبنّى جانب التقييد وهذا ما ورد بنص المادة ( ٨/ج) حيث خصص للقائمة الحزبية العامة (٤١) مقعدًا من أصل (١٣٨) مقعدًا، مستندًا بذلك لمبدأ التدرج الذي تبناه فمن الواضح أنه لا يريد التوسع والزيادة في العدد لاسيما بالمرحلة الأولى من مراحل التحديث السياسي ليصار إلى زيادة العدد مستقبلاً، وهذا واضح من نص المادة (٧١) حيث أن النسبة ستزداد تباعًا في برلمان واحد وعشرين (٥٠٪) كحد أدنى، وفي برلمان إثنان وعشرين ستزداد إلى أكثر من (٦٥٪)
ومن خلال مقارنة النصوص السابقة نرى أن المشرع لم يحدد ابتداءً النسبة في نص المادة (٨/ج) وإنما اكتفى بوضع العدد المطلوب، ثم أنه لم يستخدم عبارة " حدًا أدنى" الواردة بعد نسبة ( ٥٠٪ و ٦٥٪) في نص المادة (٧١)، وهذا يدل على أنه يريد ثبات العدد ومُكرسًا لفكرة التدرّج للدخول بالتحديث رويدًا رويدا لتجنب المجهول والقفز في الهواء.
إلا أن عدم وضع ضوابط أو شروط أو قيود على ترشح الحزب على القوائم المحلية يجري الأمور على إطلاقها، للحزب دعم مرشحيه في الدوائر المحلية والمنافسة والحصول على مقاعد إضافية، لاسيما أن المرشحين الحزبيين بفوزهم بالقوائم المحلية هم منتمين أساسا لهذه الأحزاب، يأتمرون بأمرها وهم تحت مظلتها، وبمجرد نجاحهم يكون الولاء والطاعة للحزب .
لذا تثور العديد من الأسئلة وهي برسم الإجابة، هل الأحزاب السياسية مع حداثة عهدها في الدولة قادرة على إدارة المشهد وإقصاء فكرة التدرج والدخول بقوة لزيادة المقاعد المخصصة لها؟ بالتالي محاولة استباقية في التسريع من تشكيل الحكومات الحزبية؟ أم أنها بحاجة لمزيد من النضوج السياسي والاكتفاء بالمقاعد المخصصة لها فقط؟